أعلن وزير الدفاع الإسرائيلي يسرائيل كاتس، يوم الأحد، أنه أصدر أوامر مباشرة للجيش بمنع سفينة مساعدات إنسانية تقل ناشطين، من بينهم الناشطة السويدية الشهيرة غريتا ثونبرغ، من بلوغ شواطئ غزة، واصفًا إياهم بـ”أبواق الدعاية لحماس”.
وجاء هذا التصعيد في لحظة شديدة الحساسية، تزامنًا مع تحرك سفينة “مادلين” التابعة لتحالف “أسطول الحرية” من سواحل صقلية في اتجاه القطاع المحاصر، في مهمة مزدوجة: إيصال مساعدات إنسانية عاجلة، وكسر الحصار البحري الذي تعتبره أطراف حقوقية وإنسانية شكلاً من أشكال العقاب الجماعي، بينما تصر تل أبيب على وصفه بـ”الإجراء الأمني الوقائي”.
خلفيات السفينة وأبعاد الصراع
السفينة التي تضم 12 ناشطًا دوليًا، كانت قد وصلت إلى قبالة السواحل المصرية قبل أن تواصل إبحارها باتجاه غزة، في مهمة ذات رمزية عالية، إذ إنها لا تستهدف فقط تقديم الإغاثة، بل أيضًا لفت أنظار العالم إلى الكارثة الإنسانية التي تعصف بالقطاع منذ اندلاع الحرب في أكتوبر 2023، والتي خلّفت دمارًا واسعًا وأوصلت سكان القطاع إلى حافة المجاعة، بحسب تقارير الأمم المتحدة.
اختيار غريتا ثونبرغ – الناشطة البيئية التي تحولت إلى أيقونة احتجاجية عالمية – للمشاركة في هذا التحرك، أضفى عليه طابعًا رمزيًا مضاعفًا، وجعل من المواجهة المحتملة مع البحرية الإسرائيلية حدثًا يتجاوز الإطار المحلي ليأخذ أبعادًا إعلامية وسياسية دولية.
خطاب كاتس: بين الأمني والسياسي
في بيانه الهجومي، استخدم كاتس نبرة لا تخلو من التحريض، حين وصف ثونبرغ بـ”المعادية للسامية”، واعتبر أن المشاركين في الرحلة يعملون كأدوات دعائية لصالح “حماس”، وهو توصيف يحمل في طياته إشارات إلى رغبة إسرائيل في ترهيب التضامن الدولي المتزايد مع غزة، من خلال إلصاق تهمة الإرهاب بأي تحرك إنساني لا يتماشى مع المقاربة الإسرائيلية للصراع.
وأكد وزير الدفاع أن “إسرائيل لن تسمح لأي جهة بخرق الحصار”، مشيرًا إلى أن الهدف الأساسي من الإغلاق البحري هو منع تهريب السلاح إلى حركة حماس. وشدد على أن بلاده ستتعامل “بحزم” مع أي محاولة مشابهة، سواء كانت بحرًا أو برًا أو جوًا.
هذا التصريح يندرج ضمن سياسة ثابتة انتهجتها الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة، تقوم على منع أي كسر للحصار عبر البحر، حتى ولو كان التحرك ذا طابع سلمي ومدني، كما حصل في أحداث سفينة “مرمرة” عام 2010 التي قُتل خلالها عشرة ناشطين أتراك برصاص القوات الخاصة الإسرائيلية.
التصعيد كرسالة مزدوجة
تحذير كاتس الموجّه لأسطول الحرية يحمل رسالتين واضحتين: الأولى تتعلق بالردع الاستباقي لأي مبادرة مشابهة، والثانية تسعى إلى تحصين الرواية الإسرائيلية التي تخلط بين العمل الإنساني ودعم الإرهاب، وهي مقاربة تجد صدى في بعض الدوائر الغربية، لكنها تواجه انتقادات متزايدة في الأوساط الحقوقية والأممية.
ويأتي هذا في وقت تتعرض فيه إسرائيل لضغوط دولية متصاعدة بشأن الكلفة الإنسانية لحربها في غزة، خاصة بعد تقارير عن المجاعة المنتشرة في شمال القطاع، وعرقلة دخول المساعدات عبر المعابر البرية.
وبذلك، فإن التعامل الإسرائيلي مع “مادلين” لا يمكن قراءته فقط من زاوية عسكرية أو أمنية، بل يدخل في صلب معركة الروايات حول الصراع، حيث تحاول تل أبيب تصوير الحصار كإجراء مشروع في سياق مكافحة الإرهاب، بينما تسعى الأطراف المدنية والحقوقية إلى فضح آثاره التدميرية على السكان المدنيين.
مأزق الحصار وهاجس الشرعية
إن تمسّك إسرائيل بمنع أي اختراق للحدود البحرية، حتى في سياق مدني، يعكس تخوفًا من فقدان أحد أركان استراتيجيتها الأمنية تجاه غزة. فالنجاح في كسر الحصار، ولو بشكل رمزي، من خلال قوارب مدنية تحمل نشطاء سلام، قد يفتح الباب أمام تكرار المبادرات، وربما يجرّ معها ضغوطًا قانونية في المحافل الدولية.
غير أن الرهان على الردع وحده لا يبدو كافيًا لوقف التعاطف الدولي المتزايد مع معاناة الغزيين، خصوصًا في ظل مشاهد الدمار والمجاعة التي تتسرب يوميًا إلى الإعلام العالمي.
في المحصلة، فإن السفينة “مادلين” – سواء وصلت أو لم تصل – فرضت نفسها كحدث رمزي في سياق حرب السرديات. وهي تعيد تسليط الضوء على عمق الأزمة في غزة، وتعقيدات المعالجة الدولية لها، بين من يراها قضية إنسانية محضة، ومن يصرّ على رؤيتها من زاوية أمنية ضيقة.