تشهد مفاوضات وقف إطلاق النار في غزة مرحلة شديدة التعقيد والتأزم، في ظل تداخل الحسابات السياسية والأمنية بين الأطراف المختلفة، وخصوصًا بعد تكثيف إسرائيل لعملياتها واستعادتها لجثث ثلاثة رهائن في غضون أيام، ومعرفتها بمكان رابع على قيد الحياة. هذا التطور النوعي في المشهد الميداني لا يبدو أنه ينعكس بتأثير كبير على مجرى المفاوضات، بل يعكس في طياته تحوّلاً في كيفية تعامل الحكومة الإسرائيلية بقيادة بنيامين نتنياهو مع ملف الرهائن، ما يؤثر بشكل مباشر على فرص التوصل إلى هدنة.
خيار الحسم العسكري
نتنياهو، وفق كثير من المحللين، لم يُبدِ منذ بداية الحرب رغبة حقيقية في التوصل إلى اتفاق يقوم على تبادل الرهائن بوقف للعمليات العسكرية. بل على العكس، يواصل إرسال رسائل ميدانية وسياسية مفادها أن القضاء على “حماس” يأتي في صدارة أولوياته، وأن الرهائن – رغم الضغط الداخلي المتصاعد – باتوا جزءًا من خسائر “مقبولة” ضمن استراتيجية حرب طويلة الأمد.
نجاح إسرائيل في استعادة جثامين بعض الرهائن، وإن تم تصويره إعلامياً كإنجاز عسكري، إلا أنه يعكس فشلاً على المستوى التفاوضي. ذلك أن التقدم الميداني هذا يُقوّض أي دوافع داخلية لدى نتنياهو للانخراط في مفاوضات شاملة، إذ يُفضل خيار الحسم العسكري على تقديم تنازلات يمكن أن تُقرأ كضعف أو رضوخ داخلياً.
تراجع عدد الرهائن
من جهة أخرى، “حماس” تحاول التمسك بورقة الرهائن كورقة استراتيجية في مسار التفاوض، مطالبة بوقف شامل للحرب وشروط تضمن بقاءها كفاعل سياسي وأمني بعد الحرب. لكن في ظل تراجع عدد الرهائن الأحياء، وفق التقديرات الإسرائيلية، وصعوبة الحفاظ على حياتهم في ظل العمليات العسكرية المستمرة، فإن قيمة هذه الورقة بدأت بالتآكل.
الرهائن، الذين كان يُفترض أن يكونوا جسرًا لتقارب المواقف، باتوا اليوم حاجزًا إضافيًا أمام الاتفاق. فبينما تسعى الوساطات – خصوصًا المصرية والقطرية – لإيجاد نقطة توازن بين المطالب المتناقضة، يواصل نتنياهو الرهان على الوقت والميدان، خصوصًا مع وجود دعم أميركي غير مباشر، ظهر في استخدام واشنطن لحق النقض في مجلس الأمن ضد قرار يدعو لوقف دائم وفوري لإطلاق النار.
تحول المسار التفاوضي إلى عامل تجميد وتصلب للمواقف
التأثير الحقيقي لخسائر الرهائن ليس في تقوية الحافز نحو التسوية، بل في إضعاف الحافز السياسي للتفاوض، وخصوصًا من الجانب الإسرائيلي. كذلك فإن “حماس” تتعرض لضغوط متزايدة، لكنها ما تزال متمسكة بموقف تفاوضي يطلب صفقة شاملة، الأمر الذي يعمق الفجوة ويجعل من أي اتفاق محتمل لا يتجاوز مستوى “هدنة مؤقتة”، مؤقتة فقط لتقطيع الوقت أو لامتصاص ضغط دولي قبيل مؤتمرات مهمة، مثل مؤتمر 17 يونيو حول الاعتراف بالدولة الفلسطينية.
مشهد الرهائن الذي كان يُنتظر أن يُسرّع المسار التفاوضي، تحوّل الآن إلى عامل تجميد وتصلب للمواقف. فكل طرف يتعامل معه بمنطق الكلفة والفائدة، لا بمنطق الإنسانية أو الضغط الشعبي، وهو ما يشي بأن الطريق إلى وقف إطلاق النار، إذا ما تم، سيكون بوساطة فرض أمر واقع دولي وليس برغبة داخلية من طرفي النزاع.