تعقيب المجلس الوطني الفلسطيني على واقعة اعتراض سفينة “مادلين” يشكل موقفًا سياسيًا حادًا ومباشرًا يُعيد رسم حدود المواجهة بين الاحتلال الإسرائيلي والجهود الدولية الإنسانية، وينقل ملف الحصار المفروض على غزة من خانة “الواقع الجغرافي” إلى خانة “الإرهاب المنظم” و”القرصنة الدولية”، بحسب تعبير البيان. هذا الموقف يعكس بوضوح حجم الغضب الفلسطيني الرسمي تجاه التصعيد الإسرائيلي، ليس فقط على الأرض، بل في البحر، حيث لم تعد المبادرات المدنية محمية من العدوان، ولو كانت تحمل مساعدات رمزية ووجوهًا برلمانية أو شخصيات عالمية.
انتهاك القانون الدولي
البيان الذي أصدره رئيس المجلس الوطني الفلسطيني، روحي فتوح، جاء بلغة واضحة تُحمّل إسرائيل مسؤولية انتهاك القانون الدولي بشكل مباشر وصريح، معتبرًا أن ما جرى هو “عمل قرصنة منظم” و”إرهاب دولة”، في تصعيد لغوي وسياسي يهدف إلى سحب القضية من ساحة النقاش الإنساني فقط إلى مربع المساءلة القانونية، تحديدًا في المحافل الدولية.
وفي هذا السياق، يمكن قراءة التعقيب على أنه خطوة أولى باتجاه تعبئة دبلوماسية فلسطينية تستهدف حشد الرأي العام العالمي وخصوصًا البرلمانات الأوروبية والمنظمات الحقوقية، نظرًا لطبيعة الركاب على متن السفينة الذين يمثلون النخب الفكرية والبرلمانية في عدد من الدول. وجود هؤلاء الأشخاص على متن “مادلين” يرفع من كلفة الاعتداء الدبلوماسي على إسرائيل، ويمنح الفلسطينيين فرصة ذهبية لإعادة تعريف الحصار ليس فقط كأداة عقاب جماعي، بل كجريمة تُمارس خارج السيادة، في المياه الدولية، بما يخالف قواعد القانون الدولي واتفاقيات البحار.
محاكمة إسرائيل
المجلس الوطني الفلسطيني يربط في بيانه بين جريمة اعتراض السفينة وسياق أوسع من الانتهاكات الإسرائيلية، مؤطرًا الحصار بأنه ليس مجرد سياسة ضغط، بل امتداد لحرب إبادة جماعية وتطهير عرقي مستمرة منذ أكثر من 600 يوم. هذا الربط يعطي الواقعة بعدها الكارثي، ويحمّل الاحتلال مسؤولية تداعيات إنسانية تتجاوز غزة، لتشمل صورة إسرائيل في الرأي العام العالمي الذي بدأ يضيق ذرعًا بسياسة استخدام القوة حتى في وجه النوايا السلمية.
التحرك الدبلوماسي الذي يطالب به المجلس لا يقتصر على بيانات الشجب أو الاستنكار، بل يدعو بوضوح إلى محاكمة إسرائيل، ليس فقط على ما تقوم به في غزة، بل أيضًا على واقعة السفينة “مادلين” باعتبارها تمثل نموذجًا واضحًا للاعتداء على العمل الإنساني، وعلى حرية الملاحة، وعلى القانون الدولي الإنساني.
ومن المتوقع أن يُستثمر هذا الحدث لفتح مسار جديد في الساحة الدبلوماسية الدولية، خاصة مع اتساع موجة التضامن الدولي مع الشعب الفلسطيني. ووجود شخصيات برلمانية على متن السفينة قد يدفع بعض الحكومات الأوروبية إلى إعادة تقييم مستوى الدعم غير المشروط لإسرائيل، أو على الأقل إلى طلب توضيحات، وهو ما يشكّل نقطة ضغط مهمة.
ورقة ضغط في مفاوضات سياسية
البيان كذلك يوجّه رسالة للأمم المتحدة وللصليب الأحمر وللمنظمات الحقوقية، داعيًا إياها لتحمل مسؤولياتها تجاه النشطاء المختطفين، والتدخل الفوري للإفراج عنهم، وهو ما يعكس رغبة فلسطينية في تدويل القضية سريعًا، وعدم السماح لإسرائيل بتقزيم الحدث أو التعتيم عليه كما حدث في أحداث بحرية سابقة مثل سفينة “مرمرة”.
بذلك، يُعد هذا التعقيب جزءًا من محاولة فلسطينية منظمة لتدويل كل فعل إسرائيلي قمعي، خصوصًا حين يتعلق بجهات دولية ومساعدات إنسانية، في وقت أصبحت فيه صورة إسرائيل أمام العالم الغربي على المحك. ومع اقتراب مؤتمر الاعتراف الدولي بدولة فلسطين، فإن توثيق هذا النوع من الجرائم والانتهاكات البحرية يمكن أن يتحول إلى ورقة ضغط مهمة في مفاوضات سياسية أوسع تتعلق بمستقبل الحصار والاستقلال الفلسطيني.
بعبارة أخرى، واقعة “مادلين” لم تنتهِ باحتجاز السفينة، بل بدأت من هناك، وتحولت إلى رأس رمح دبلوماسي فلسطيني يُراد له أن يخترق جدار الصمت الغربي، ويعيد تعريف العلاقة مع الاحتلال في ضوء جرائمه المستمرة ضد كل ما هو إنساني.