تأتي جهود الحكومة الفلسطينية ممثلة بوزارة شؤون المرأة في سياق استثنائي، حيث تواجه المرأة الفلسطينية تحديات وجودية مع استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة وتصاعد وتيرة الانتهاكات في الضفة الغربية والقدس. في هذا السياق، لا تنفصل قضايا النساء عن القضية الوطنية الكبرى، بل تتداخل معها لتشكل صورة مركّبة من المعاناة المتعددة الأوجه: عنف مباشر، تهجير قسري، فقر، حرمان من التعليم والرعاية الصحية، وسلب لأبسط حقوق الأمان والكرامة.
انتهاك حقوق الأسيرات
الاجتماع الحواري الذي نظمته وزارة شؤون المرأة يمثل تحركًا مهمًا نحو خلق شراكة فعلية بين الجهات الرسمية ومؤسسات المجتمع المدني، وعلى وجه الخصوص المؤسسات النسوية، التي ظلت طوال السنوات الماضية تشكل خط الدفاع الأول عن حقوق النساء الفلسطينيات، توثيقًا ومناصرةً وتدخلًا. إشراك هذه المؤسسات في رسم الأولويات والسياسات هو خطوة باتجاه تفعيل العمل التشاركي في مواجهة الأزمات، خاصة في ظل ظروف تتطلب استجابة نسوية موحدة وفعالة.
الوزيرة منى الخليلي تحدثت بصراحة عن معاناة النساء في ظل ما وصفته بـ”حرب الإبادة” في غزة، وهي توصيفات لم تعد محصورة بالخطاب السياسي المحلي، بل بدأت تلقى صدى في المحافل الدولية. النساء في غزة لا يواجهن فقط خطر القصف وفقدان الأحبة، بل يعانين من فقدان سبل الحياة الأساسية، من غذاء وماء ورعاية صحية، إلى جانب الأثر النفسي العميق لفقدان المأوى والأمان. وفي الضفة الغربية، تتعرض الأسيرات الفلسطينيات لانتهاكات ممنهجة تهدف إلى كسر الروح الوطنية والإنسانية لديهن.
تفعيل الآليات الدولية لمساءلة الاحتلال
من الجيد أن الحكومة الفلسطينية، وضمن توجهات الحكومة التاسعة عشرة، تعلن امتلاكها إرادة سياسية للتعاطي مع قضايا المرأة باعتبارها أولويات وطنية. لكن الإرادة السياسية وحدها لا تكفي، بل تتطلب أدوات تنفيذ فعالة، وتشريعات عادلة، وموازنات تُمكّن من إحداث أثر حقيقي في حياة النساء. ومن هنا تأتي أهمية تطوير العلاقة مع مؤسسات المجتمع المدني، التي تمتلك خبرة ميدانية، وشبكات مجتمعية واسعة، وقدرة على رصد الاحتياجات وتقديم الخدمات في ظل شح الإمكانيات.
الجانب الأكثر أهمية في الاجتماع هو تأكيد المؤسسات النسوية على الحاجة لخطاب نسوي فلسطيني موحد، واضح، وشجاع في مواجهة انتهاكات الاحتلال، وخالٍ من المجاملة الدبلوماسية أو اللغة الرمادية. فالمرحلة تتطلب توحيد الجهود لتفعيل الآليات الدولية لمساءلة الاحتلال، وتوثيق الجرائم الواقعة على النساء، والتوجه إلى المنظمات الأممية بلغة حقوقية صارمة.
تفعيل الأدوات الوطنية
المسؤولية المشتركة بين الحكومة والمجتمع المدني تتطلب أيضًا تفعيل الأدوات الوطنية مثل المرصد الوطني، واللجان المختصة، لضمان أن السياسات ليست حبرًا على ورق، بل ميدانًا لتغيير حقيقي. ويبدو أن وزارة شؤون المرأة تدرك ذلك، مع تعهدها بالاستمرار في اللقاءات ومتابعة الملفات من خلال خارطة طريق واضحة.
جهود دعم المرأة الفلسطينية في ظل العدوان لا تُقاس فقط بتصريحات أو نوايا، بل بقدرة المؤسسات الرسمية والأهلية على حماية النساء، وتمكينهن، وضمان أن صوتهن لا يُختزل في تقارير، بل يتحول إلى فعل تغييري، سياسيًا ومجتمعيًا. المرأة الفلسطينية لا تبحث فقط عن الحماية من العدوان، بل عن الاعتراف الكامل بدورها القيادي في بناء المجتمع، في السلم كما في النضال.