أعلن رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، مساء الإثنين، أن بلاده تواصل ما أسماه “تدميرًا منهجيًا لأهداف مرتبطة بالمشروع النووي الإيراني”، في وقت تتصاعد فيه الهجمات الإسرائيلية على العمق الإيراني، بما في ذلك منشآت عسكرية ومدنية ومرافق حساسة.
نتنياهو، الذي بدا واثقًا من نبرة القوة، لم يُخفِ أن هذه العمليات تأتي بدعم ومساعدة من الولايات المتحدة، ملمحًا إلى تنسيق عسكري رفيع المستوى في استهداف ما وصفه بـ”الخطر الإيراني”.
زلة لسان أم إقرار ضمني؟ مشاركة أميركية في العمليات تثير تساؤلات
من أبرز ما أثار الانتباه خلال المؤتمر الصحفي، ما بدا أنه زلة لسان خطيرة لنتنياهو، حين تحدث عن “مشاركة طيارين أميركيين في العمليات العسكرية”، قبل أن يتدارك نفسه ويُعدّل العبارة إلى “مشاركة في اعتراض الصواريخ الإيرانية”.
هذه الإشارة، وإن جرى تصحيحها سريعًا، سلطت الضوء مجددًا على طبيعة الدور الأميركي في التصعيد الجاري، الذي لم يعد يقتصر على الدعم السياسي أو المساعدات العسكرية غير المباشرة، بل قد يمتد إلى مشاركة عملياتية على الأرض وفي الجو، ما من شأنه أن يزيد حدة التوتر الإقليمي، ويضع واشنطن في مواجهة تساؤلات دولية متصاعدة حول انخراطها في حرب مفتوحة.
مؤتمر مُسجّل في “مكان محصّن”: تفاصيل تضيف للشكوك
كشفت وسائل إعلام إسرائيلية لاحقًا أن المؤتمر الصحفي الذي قُدّم على أنه مباشر، كان مسجلاً مسبقًا داخل منشأة محصّنة، وأن الأسئلة التي وُجهت لنتنياهو تم طرحها عبر تقنية “زوم”.
ووفقًا للتقارير، تم تسجيل المؤتمر قبل نحو 45 دقيقة من بثه على القنوات الرسمية، وهو ما يُضعف من مصداقية الطابع “المرن والتفاعلي” للحدث، ويثير أسئلة حول دوافع التوقيت والرسائل المعدة سلفًا.
هذا الأسلوب يؤشر إلى حرص المؤسسة الإسرائيلية على التحكم الكامل في الإخراج الإعلامي للأزمة الحالية، وتوجيه الرسائل إلى الداخل والخارج دون مفاجآت، خصوصًا في لحظة حساسة باتت فيها إسرائيل أمام رهان استراتيجي كبير في معركتها مع إيران.
الاستهدافات تمتد جغرافيا: هجمات على غرب إيران وشمالها
خلال حديثه، أشار نتنياهو إلى أن العمليات الإسرائيلية “تمتد إلى غرب إيران وشمالها”، لافتًا إلى تدمير منظومات دفاع جوي وصواريخ أرض-جو، وإلى إحباط محاولة “إطلاق ألف مسيّرة لم تصل إلى أهدافها”، على حد تعبيره.
لكن من دون تقديم أدلة مستقلة، تظل هذه المزاعم في خانة الخطاب الدعائي، خاصة مع محدودية المعلومات الواردة من مصادر محايدة داخل إيران، وغياب تقارير تؤكد فعلاً حجم الأضرار التي تُعلن عنها تل أبيب.
من جهة أخرى، تبدي أوساط مراقبة توجسًا من أن تكون هذه العمليات تغطية لاستراتيجية اغتيالات تستهدف العقول النووية والعسكرية الإيرانية، ضمن نمط يُعيد إلى الأذهان عمليات سابقة اغتيل فيها علماء بارزون في ظروف غامضة، بعضها عبر طائرات دون طيار أو هجمات سيبرانية.
تهديدات بالاغتيال العلني: سابقة خطيرة في الأعراف الدولية
في سابقة لا تخلو من مخاطر قانونية وسياسية جسيمة، صرّح نتنياهو بشكل علني بأن إسرائيل ستواصل استهداف قيادات إيرانية وعلماء يعملون في المجال النووي، قائلاً إن “هذا لن ينتهي عند هذا الحد”، مضيفًا أن “قادة بارزين تمت تصفيتهم، وسيستمر الأمر واحدًا تلو الآخر”.
هذا التهديد العلني لا يعكس فقط تصعيدًا سياسيًا، بل يُعد بمثابة تبنٍّ صريح لسياسة الاغتيالات كأداة أمنية، ما يهدد بإشعال دائرة عنف مفتوحة لا تقتصر على الدولتين، بل قد تمتد إلى جبهات عديدة في الشرق الأوسط.
ويشير هذا إلى انعدام أي نية لدى الحكومة الإسرائيلية للدخول في مسار سياسي أو دبلوماسي، في مقابل إصرارها على فرض منطق القوة والردع الاستباقي، حتى لو أدى ذلك إلى توسيع رقعة المواجهة مع أطراف إقليمية ودولية.
بين التصعيد الإعلامي والعسكري: المنطقة على صفيح ساخن
الخطاب الأخير لنتنياهو لا يخرج عن كونه تصعيدًا مزدوج المسار — عسكريًا على الأرض، وإعلاميًا في الصورة والخطاب. لكن الأهم أنه يعكس ثقة مفرطة وربما مغامرة محسوبة تهدف إلى فرض أمر واقع إقليمي، عبر إضعاف قدرات إيران، وكسر مشروعها النووي بالقوة.
إلا أن هذا المسار لا يخلو من مجازفات. فمع تزايد الاستهدافات، وازدياد احتمال الردود الإيرانية المباشرة أو عبر حلفائها في المنطقة، فإن خطر الانزلاق نحو مواجهة شاملة أصبح أقرب من أي وقت مضى.
والأخطر من ذلك، أن انكشاف مشاركة أميركية مباشرة في العمليات، حتى لو جزئيًا، قد يعيد تشكيل المعادلة الدولية، ويخرج المواجهة من حيزها الثنائي إلى صدام أوسع بين قوى عالمية متصارعة على النفوذ في المنطقة.