التحولات السياسية في قطاع غزة، لم تكن وليدة اللحظة، بل كانت هناك مؤشرات، ترجح أن القطاع سيمر بمراحل صعبة، ولعل أبرزها ما يحدث الآن، من دمار شامل في كافة مناحي الحياة داخل غزة، وكأن القطاع تعرض لزلزال مدمر، وهو ما عكسه المشاهد المروعة للبنايات السكنية والخدمية، التي تحولت إلى أكوام من الركام الأنقاض، نتيجة العدوان الإسرائيلي الأكثر عنفًا على مر تاريخ الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
العدوان الإسرائيلي على غزة، مر بمراحل متعددة، جاءت نتيجة حالة الانقسام في الأوساط السياسية الفلسطينية، نتيجة «أطماع» حركة حماس، في السيطرة على حكم غزة، وهو ما حدث بالفعل، في غضون عام 2007، عندما انقلبت الحركة على السلطة الفلسطينية، الممثل الشرعي للحكم، دون النظر إلى حجم المخاطر، التي قد تعصف بمسار القضية الفلسطينية.
شق الصف الفلسطيني
انقلاب «حماس» كان محط أنظار حكومة الاحتلال الإسرائيلي، التي عكفت على وضع سيناريوهات للتعامل مع غزة، بعد سيطرة «حماس» على القطاع، خاصة وأن الحركة لديها ذراع عسكري، وتلقى دعمًا من إيران، لذلك كان هناك تخوفات لدى الحكومة الإسرائيلية، من تنامي قدرات «حماس» العسكرية، في ظل الصراع القائم منذ عشرات السنين.
شعب غزة كان الحلقة الأضعف، ولم يكن لديه خيارات، في الوضع الذي فُرض عليه، من جانب الحركة المسلحة، التي توغلت داخل القطاع، وسيطرت على كافة أركانه، لذلك حالة الانقسام السياسي، التي تسببت فيها «حماس»، كان بمثابة «نقطة ضعف»، استغلتها إسرائيل لتوسيع الفجوة، ودعم عملية شق الصف الفلسطيني، وهو ما يُضعف القضية الفلسطينية برمتها.
غزة تدفع الثمن
ولا شك أن سيطرة «حماس» على قطاع غزة، ولّد لديها شعور بأنها قادرة على مواجهة الاحتلال، وبالفعل خططت لعملية 7 أكتوبر، التي كانت نقطة تحول في مسار الشرق الأوسط بأكلمه. نفذت عناصر الحركة الهجوم، الذي كان حديث العالم، وتسبب في حرج بالغ لحكومة نتنياهو، وأظهر هشاشة «القبة الحديدة»، التي استخدمتها إسرائيل كـ فزاعة، بأنها غير قابلة للاختراق.
هجوم 7 أكتوبر، اعتبرته «حماس» انتصار تاريخي على الاحتلال الإسرائيلي، دون النظر أو الترتيب لرد الفعل الإسرائيلي، وسط أنباء بأن الهجوم تم دون إجماع من قيادات الحركة، وهم ما يؤكد أن هناك انقسام بين قيادات «حماس».
ضربة «حماس» لإسرائيل، دفعت حكومة الاحتلال، للتحول من فكرة السيطرة على الأراضي الفلسطينية، إلى عملية إبادة جماعية ممنهجة. شن جيش الاحتلال هجومًا وحشيًا، استهدف الأخضر واليابس داخل قطاع غزة، وقصفت طائرات ودبابات الاحتلال، كافة المنشآت داخل القطاع، ودفع آلاف المدنيين حياتهم ثمنًا لقرار «حماس».
حصار غزة
يومًا تلو الآخر، يسقط شهداء وجرحى، إثر الغارات الإسرائيلية، التي باتت تستهدف المدنيين بشكل مباشر، وأمام شلال الدم الفلسطيني، رفضت حماس كافة المقترحات، التي طرحتها أطراف الوساطة، لوقف إطلاق النار، ووضعت شروط تستهدف في المقام الأول، الحفاظ على كيانها العسكري، وإبقاء حكم غزة تحت سيطرتها، دون النظر إلى حجم الكلفة البشرية، التي تدفع ثمن الهجوم «العنتري» للحركة في 7 أكتوبر.
في المقابل، يخطط رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، للقضاء على «حماس» نهائيًا، من خلال فرض حصار شامل على غزة، تضمن عدم السماح بإدخال المساعدات الإنسانية والطبية، وبات القطاع على مشارف «مجاعة»، فضلا عن تعرض المرضى والجرحى للموت في كل لحظة، لعدم توافر المستلزمات الطبية، واستهداف المستشفيات ومراكز الإغاثة الأممية.
أوروبا تتحرك وحماس تتعنت
أمام المشاهد المروعة التي حرّكت مشاعر العالم، بل دفعت الدول الأوروبية لمراجعة موقفها تجاه إسرائيل، وبدأت في اتخاذ قرارت تتخطى الإدانة، منها التلويح بفرض عقوبات، ووقف تصدير الأسلحة إلى دولة الاحتلال، لم تتخذ «حماس» خطوة تبرهن حرصها على إنقاذ م تبقى من المدنيين، بل تقامر بهم وترفض أي مقترح ينزوي خلف شروطها.
أمام موقف الحركة الداعي لاستمرار القتال، أصبح المدنيين «دروع بشرية»، تضحي بهم «حماس» في حربها ضد الاحتلال، وهو ما أدى إلى حالة من الغضب العام بين سكان غزة، بسبب مواقف الحركة، التي لم تنظر إلى حجم الدمار الذي وصل إليه القطاع، أمام الاستمرار في تمسكها بحكم غزة، تحت إي ظروف. الأخطر من ذلك، أن «حماس» باتت تستخدم البنية التحتية في أغراض عسكرية، الأمر الذي دفع الاحتلال لاستهداف المدارس والمستشفيات وكافة المباني في غزة، بحجة ملاحقة عناصر الحركة.
تسليم غزة للسلطة
ما تفعله «حماس» في غزة تجاوز حدود المقاومة، وحجم الدمار يضع الحركة أمام مسؤولية قانونية وأخلاقية. أمام تعالي أصوات المعارضة، التي تطالب الحركة بقبول الهدنة تحت أي شرط، لم تستجب الحركة، بل تستخدم أساليب قمعية تجاه المعارضين لها.
الرد العنيف من جانب جيش الاحتلال الإسرائيلي، عقب هجوم 7 أكتوبر، تتحمل مسؤوليته «حماس»، التي فضْلت مصالحها الشخصية ومكاسبها السياسية، على حساب أرواح المدنيين. لذلك إذا كان هناك بصيص من الأمل لإنقاذ غزة، يجيب على الحركة إعادة القطاع إلى حكم السلطة الفلسطينية، لإجهاض المخطط الإسرائيلي، لإنهاء القضية الفلسطينية عبر بوابة غزة.
أحمد عبدالوهاب