في تطور لافت يعكس تحولاً في العلاقات الأوروبية السورية، أعلنت وزارة الخارجية السورية عن اتفاق مع ألمانيا لتأسيس مجلس تنسيقي اقتصادي مشترك، يهدف إلى تعزيز التعاون وفتح آفاق جديدة للتبادل التجاري بين البلدين.
جاء هذا الإعلان عقب اتصال هاتفي بين وزير الخارجية السوري أسعد الشيباني ونظيره الألماني يوهان فاديفول، عبّر خلاله الطرفان عن رغبتهما في تطوير العلاقات الثنائية في ضوء المتغيرات الإقليمية والدولية المتسارعة.
سوريا الجديدة تتحرك: من السياسة إلى الاقتصاد
الاتفاق مع ألمانيا يأتي ضمن سلسلة تحركات تقوم بها الإدارة السورية الجديدة، التي تولّت السلطة عقب الإطاحة بنظام بشار الأسد في ديسمبر 2024، حيث تسعى دمشق إلى كسر العزلة السياسية والاقتصادية التي امتدت لعقود، وتفعيل شراكات مع الدول الأوروبية الفاعلة.
وقد هنّأ الوزير السوري نظيره الألماني على منصبه الجديد، مؤكداً “تطلع سوريا لتعزيز التعاون الدبلوماسي مع ألمانيا في مختلف المجالات”، خاصةً في ظل التحديات التي تواجه المنطقة.
رسائل سياسية في خضم التعاون الاقتصادي
لم يخلُ الاتصال من إشارات سياسية، إذ استنكر الشيباني التوغلات الإسرائيلية المتكررة في محافظة القنيطرة جنوب سوريا، واصفاً إياها بأنها “انتهاك واضح للسيادة السورية”.
وفي المقابل، أكد الوزير الألماني على ضرورة إيجاد “حلول دبلوماسية تُسهم في تحقيق الاستقرار بالمنطقة”، دون أن يعلن موقفاً صريحاً من العمليات الإسرائيلية، لكنه أبدى تفهماً للمخاوف السورية بشأن التوترات الأمنية في الجنوب.
المجلس الاقتصادي: منصة للتعاون وإعادة الإعمار
وفق بيان الخارجية السورية، فإن المجلس التنسيقي السوري الألماني سيعمل على تعزيز التعاون في مجالات الاستثمار وإعادة الإعمار والتنمية، في وقت تحاول فيه سوريا لملمة جراحها بعد عقود من الحرب والانهيار الاقتصادي.
كما أكد الجانبان أهمية تمكين الاقتصاد السوري من العودة التدريجية إلى الأسواق العالمية، وهو ما يُنظر إليه كفرصة استراتيجية لإنهاء سنوات من العزلة المالية والاقتصادية.
دمشق وبروكسل.. حوار جديد يُرسم
تناول الاتصال أيضاً سبل تطوير قنوات الحوار بين دمشق والاتحاد الأوروبي، حيث عبّر الشيباني عن رغبة حكومته في تحسين العلاقات السياسية والاقتصادية مع أوروبا، بما في ذلك ملفات الإعمار واللاجئين والطاقة.
ومن جهته، أبدى فاديفول استعداد ألمانيا لدعم الجهود الدبلوماسية التي تسعى لتعزيز التعاون الأوروبي السوري “وفق المبادئ الدولية”، في إشارة محتملة إلى احترام حقوق الإنسان والقوانين الأممية.
مستقبل جديد لسوريا بعد طي صفحة الأسد
الاتفاق الجديد يعكس رغبة الإدارة السورية في إعادة تموضع البلاد إقليمياً ودولياً، بعد أكثر من ستة عقود من الحكم البعثي، منها 24 عاماً تحت نظام بشار الأسد.
منذ تعيين أحمد الشرع رئيساً انتقالياً في يناير 2025، كثّفت دمشق اتصالاتها الدولية بهدف استعادة دورها في المجتمع الدولي وتحفيز عجلة التنمية، خصوصاً في ظل التحديات الاقتصادية والاجتماعية الكبيرة التي تواجه البلاد.
زيارة مرتقبة.. ووعود بمزيد من التعاون
في ختام الاتصال، أعلن الوزير الألماني نيته زيارة دمشق قريباً، ما يشير إلى رغبة حقيقية في تطوير العلاقة، وربما فتح الباب أمام استثمارات أوروبية مباشرة في سوريا، في إطار خطة دولية أوسع لدعم الاستقرار في الشرق الأوسط.
وقد أكدت الخارجية السورية أن “الاتفاق يشكل خطوة جديدة لتعزيز العلاقات الثنائية، وبداية لمسار طويل من التعاون المستقبلي المشترك”.