مع دخول الحرب بين إسرائيل وإيران أسبوعها الثاني، تتصاعد حالة القلق والانكشاف في الداخل الإسرائيلي، حيث يواجه السكان تحديات غير مسبوقة تتعلق بالأمن الشخصي، والانهيار النسبي للثقة في جاهزية الدولة، وسط تعاظم المخاوف من استمرار وتوسّع الهجمات الإيرانية.
حرب سيبرانية نفسية
ففي ظل استمرار الهجمات الصاروخية الإيرانية التي شملت حتى الآن نحو 17 موجة وأطلقت خلالها ما يقارب 400 صاروخ باليستي، يعيش الإسرائيليون تحت وطأة تهديد دائم، ليس فقط من القصف، بل من حالة التوتر النفسي والاجتماعي التي باتت تفرض نفسها على الحياة اليومية. التقارير الصادرة عن وسائل الإعلام الإسرائيلية تؤكد تنامي مشاعر الذعر والقلق، خاصة مع ورود آلاف المكالمات والرسائل النصية مجهولة المصدر، تُحذر الإسرائيليين من التوجه إلى الملاجئ، في محاولات وُصفت بأنها “حرب سيبرانية نفسية” تهدف إلى بثّ البلبلة والتشويش في صفوف الجبهة الداخلية.
ورغم أن الجيش الإسرائيلي حاول الحد من تأثير هذه الحملات من خلال مخاطبة الجمهور عبر الإعلام وتقديم تطمينات، فإن الواقع الميداني يفرض معادلة مغايرة، خاصة مع التوسع في استهداف البنية التحتية الحيوية. فعلى سبيل المثال، تصدّر اسم شركة “سونول” للوقود محركات البحث الإسرائيلية، في مؤشر على خشية الإسرائيليين من ضربات إيرانية جديدة تستهدف منشآت الطاقة، خصوصاً بعد الحريق الذي اندلع في منشأة بحيفا.
شلل المدن الإسرائيلية
القلق لا يقتصر على التهديدات المباشرة، بل يتّسع ليشمل مدى قدرة منظومات الدفاع الجوي على مجاراة التصعيد. فبحسب تقارير إسرائيلية وأميركية، فإن قدرة إسرائيل على اعتراض الصواريخ بشكل فعّال مرهونة بمدة زمنية محددة، قد لا تتجاوز 12 يوماً من دون دعم خارجي. ومع توالي الهجمات، تراجع أداء منظومة “القبة الحديدية” والمنظومات الدفاعية الأخرى، ما يطرح أسئلة جدّية في الشارع الإسرائيلي حول مدى قدرة الدولة على حماية سكانها في حال طال أمد الحرب.
وعلى المستوى المدني، تشهد المدن الإسرائيلية الكبرى مثل تل أبيب، وحيفا، وبيتاح تكفا وغيرها، حالة من الشلل الجزئي، لا سيما مع تكرار تفعيل صفارات الإنذار، وانخفاض الثقة في الأماكن العامة. وقد امتدت التداعيات إلى إغلاق بعض المنشآت الحيوية، كما حدث في مطار بن غوريون، في خطوة غير مسبوقة عكست خطورة الوضع.
استنزاف الداخل الإسرائيلي
في المقابل، تحاول الحكومة الإسرائيلية تقديم صورة القوة والمبادرة، من خلال الرد العسكري واسع النطاق الذي شمل قصف العاصمة الإيرانية طهران واغتيال شخصيات رفيعة المستوى في الحرس الثوري والعلماء النوويين. غير أن هذا التصعيد لم يحقق بعدُ هدفه في كسر الردع الإيراني، بل ربما فاقم من وتيرة الضربات، وأدخل الداخل الإسرائيلي في حالة استنزاف غير معهودة منذ عقود.
هذه الحرب، وإن بدت عسكرية الطابع، فإن آثارها تنخر عميقاً في الداخل الإسرائيلي. فحالة اللايقين، والهجمات المركّبة – من الصواريخ إلى الحروب النفسية والاختراقات الإلكترونية – تجعل من كل بيتٍ إسرائيلي نقطة ضعفٍ محتملة، وتفرض على المجتمع، الذي طالما اعتاد الحرب خارج حدوده، أن يختبر لأول مرة، وعلى هذا النطاق، معنى الحرب على الجبهة الداخلية.