في تطور يُعدّ الأبرز منذ سنوات، نجحت إيران خلال الأيام الأخيرة في اختراق أحد أكثر الأنظمة الدفاعية تطوراً في العالم، وهو نظام «القبة الحديدية» الإسرائيلي، والذي لطالما عُرف بقدرته على التصدي لموجات الصواريخ التي تُطلقها الجماعات المسلحة من غزة ولبنان، لكن هذه المرة، كانت الضربة مختلفة؛ فقد أطلقت إيران وابلاً من الصواريخ والطائرات المُسيّرة، بعضها بسرعة تفوق سرعة الصوت، ضمن استراتيجية معقّدة أربكت الدفاعات الإسرائيلية.
تكتيك «الإغراق الصاروخي».. عدد لا يُحتمل وسرعة تفوق التوقعات
الاختراق لم يكن وليد ضعف في التقنية بقدر ما كان نتيجة تكتيك إيراني محسوب بدقة، واعتمد الحرس الثوري الإيراني على ما يُعرف عسكرياً بـ«الحِمل الزائد»، حيث تم إطلاق مئات الصواريخ دفعة واحدة، بشكل يفوق قدرة أنظمة الدفاع على التعامل مع كل الأهداف في وقت متزامن.
وبحسب الباحثة ماريون ميسمر من معهد تشاتام هاوس، فإن القبة الحديدية فعّالة، لكن ليست منيعة… الهجمات الإيرانية اتسمت بالاستمرارية والتنوّع، ما جعل من الصعب التصدي لها بالكامل
خدعة الطائرات الوهمية والحرب الإلكترونية.. عندما يضرب الدفاع نفسه
لكن «العدد» لم يكن العامل الوحيد. إذ كشف الحرس الثوري الإيراني أنه استخدم طائرات مُسيّرة وهمية كجزء من خطة تضليلية متقنة.
ووفقاً للباحثة مارينا ميرون من كلية كينجز كوليدج، فإن بعض الطائرات «الوهمية» طُوّرت لتُحفز ردّ فعل دفاعي من النظام الإسرائيلي، ما أدى إلى استهداف الدفاعات الجوية بعضها البعض عن طريق الخطأ.
كما يُعتقد أن الهجوم الإلكتروني لعب دوراً مكملاً، إذ تم التشويش على أنظمة الرصد وتحديد الأهداف، مما ضاعف من الارتباك داخل المنظومة الدفاعية.
سرعة تفوق الصوت ومسارات متعرجة تُربك التوقعات
التقارير الاستخباراتية تُشير إلى أن بعض الصواريخ المستخدمة ربما كانت من نوع فوق-صوتي (hypersonic)، أي أن سرعتها تجاوزت 5 ماخ، ما يجعل من اعتراضها تحدياً كبيراً، حتى لأكثر الأنظمة تطوراً.
وكانت قدرتها على المناورة وتغيير مسارها خلال الطيران عاملاً حاسماً في نجاح الاختراق، وهو ما أكدته ميسمر بقولها: إذا كان الصاروخ يستطيع المناورة أو تغيير مساره بناءً على إطلاقات الدفاع الجوي، فإن فرص اعتراضه تصبح ضئيلة.
إيران تُلوّح بالتصعيد وخامنئي يتوعد: “لن نخضع للتهديد”
في موازاة التطورات الميدانية، خرج المرشد الإيراني علي خامنئي بتصريحات نارية اليوم، قال فيها إن إسرائيل ارتكبت خطأ فادحاً، متوعداً بـ«عقاب لا يُنسى».
وأضاف: إيران لن تُستدرج ولن ترضخ لأي تهديد، وأي هجوم أميركي سيكون له عواقب وخيمة.
رسائل خامنئي لم تكن موجهة لتل أبيب وحدها، بل أيضاً إلى واشنطن، التي لا تخفي دعمها العسكري الحاسم لإسرائيل.
هل تفقد «القبة الحديدية» هيبتها؟
على الرغم من أن «القبة الحديدية» لا تزال تُسجّل معدلات اعتراض عالية، إلا أن الاختراق الإيراني الأخير يُعيد طرح تساؤلات استراتيجية خطيرة حول قدرة إسرائيل على مواجهة خصمٍ يمتلك ترسانة صاروخية متقدمة ويستخدم تكتيكات غير تقليدية.
الخبراء يؤكدون أن هذا التطور ليس نهاية فعالية النظام الدفاعي الإسرائيلي، لكنه بداية لمرحلة جديدة من التحدي العسكري في المنطقة، عنوانها: الحرب الذكية المتعددة الأبعاد.
وما حدث لا يُعد فقط انتصاراً تكتيكياً لطهران، بل أيضاً إنذاراً مبكراً للمنطقة بأسرها بأن زمن الحروب التقليدية قد ولى، وأن الدفاعات مهما بلغت من تطور، ستظل بحاجة لتحديث دائم أمام خصمٍ يراهن على المفاجأة والتعقيد والتكتيك المزدوج.