أوضح المدير العام للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، أن الوكالة لا تملك تأكيدًا قاطعًا على أن إيران تقوم بتصنيع سلاح نووي، رغم وجود مؤشرات تستدعي القلق. وجاءت تصريحات غروسي في ظل تصاعد التوترات الإقليمية، وزيادة المخاوف الدولية من أن تتحول المواقع النووية الإيرانية إلى أهداف في خضم النزاع القائم.
موقف غروسي يعكس حرص الوكالة على الحفاظ على التوازن بين التزامها بالرقابة التقنية والحرص على عدم التورط في اصطفافات سياسية، إذ أشار إلى وجود “عناصر مقلقة”، دون أن يوجه اتهامًا مباشرًا لطهران بخرق التزاماتها النووية. وبذلك يترك الباب مفتوحًا أمام كل من القنوات الدبلوماسية والتحقيقات الفنية لمواصلة عملها في بيئة شديدة الحساسية.
التحذير من كارثة إشعاعية محتملة
في تحذير واضح من العواقب غير المحسوبة للضربات العسكرية، أشار غروسي إلى أن احتمال وقوع حادث إشعاعي يظل قائمًا دائمًا عندما يُستهدف موقع نووي. هذه الرسالة المبطنة موجهة ضمنًا إلى الأطراف المنخرطة في الهجمات الأخيرة التي طالت منشآت حساسة في إيران، وعلى رأسها إسرائيل، والتي تقول إنها تستهدف تقويض البرنامج النووي الإيراني.
تصريح غروسي لا يحمل فقط بُعدًا تقنيًا، بل يعكس أيضًا القلق المتنامي داخل المجتمع الدولي من أن تؤدي الضربات إلى كارثة بيئية وإنسانية عابرة للحدود، قد تتجاوز بكثير نطاق الأهداف العسكرية. وهو بذلك يحاول دق ناقوس الخطر أمام من يعتبر أن الضربات “الوقائية” هي خيار مشروع.
تأكيد على الاستقلالية وسط تصعيد سياسي
تصريحات غروسي تأتي في توقيت حساس، حيث تتعرض الوكالة لضغوط متزايدة من عدة أطراف لتحمّل موقف أكثر وضوحًا من الأنشطة الإيرانية. لكن التوازن الذي أظهره في حديثه يعكس رغبة الوكالة في الحفاظ على دورها الرقابي كمؤسسة محايدة لا تنخرط في الاستقطاب السياسي، بل تكتفي بتقديم المعطيات التي توصلت إليها وفقًا لآليات المراقبة المعتمدة.
ورغم التصريحات الحذرة، فإن مجرد الإشارة إلى “عناصر مثيرة للقلق” تكشف عن استمرار الشكوك في النوايا الإيرانية، وتعيد إلى الواجهة النقاش الدائر حول مدى قدرة الوكالة على ممارسة مهامها بالكامل في ظل بيئة أمنية متقلبة وتضييقات محتملة على دخول المفتشين الدوليين.
رسالة مزدوجة إلى واشنطن وطهران
بين التأكيد على غياب الأدلة وبين التحذير من الكوارث، بعث غروسي برسالة مزدوجة: من جهة يرفض الانجرار وراء الاتهامات السياسية ما لم تكن مدعومة بأدلة تقنية موثوقة، ومن جهة أخرى لا يغفل الإشارة إلى المخاطر الواقعية الناتجة عن أي استهداف لمنشآت نووية نشطة.
هذا الخطاب المتوازن يعزز دور الوكالة كطرف رقابي أكثر منه طرفًا في المعادلة السياسية، لكنه في الوقت ذاته يفرض على الأطراف المتنازعة التعامل بمسؤولية أكبر مع المواقع النووية، خصوصًا في لحظة تتقاطع فيها الحسابات العسكرية مع الحسابات البيئية والاستراتيجية على نطاق واسع.