يُعد مضيق هرمز أحد أكثر الممرات المائية أهمية في العالم، حيث تمر عبره يوميًا أكثر من 20 مليون برميل من النفط، أي ما يقارب 20% من الإمدادات العالمية. وبعرض لا يتجاوز 55 كيلومترًا، يقع المضيق بين إيران وسلطنة عمان، وتخضع السيادة عليه لاتفاقية وُقعت عام 1975 بين البلدين. أهمية هذا المعبر الاستراتيجي لا تقتصر على النفط، بل تشمل أيضًا الغاز الطبيعي المسال، حيث يعبر من خلاله ما يقارب خمس صادرات الغاز المسال في العالم، ما يجعل أي اضطراب فيه سببًا مباشرًا في تقلبات الأسواق وتهديدًا لأمن الطاقة العالمي.
تصعيد الحرب وتنامي المخاوف
مع بداية التصعيد العسكري في المنطقة، صرّح آرني لومان راسموسن، من شركة إدارة المخاطر العالمية، في 13 يونيو – وهو اليوم الأول لاندلاع المواجهات – بأن “إغلاق مضيق هرمز سيكون الكابوس الأكبر لسوق النفط”. هذا السيناريو، وإن بدا حتى اللحظة افتراضيًا، إلا أن تطور النزاع قد يدفع طهران إلى استخدام الورقة الاقتصادية الأقسى، عبر عرقلة حركة الملاحة أو إغلاق المضيق كليًا، مما قد يؤدي إلى اضطراب كبير في الإمدادات العالمية وارتفاع حاد في الأسعار.
سوزانا ستريتر، المحللة لدى “هارجريفز لانسداون”، أكدت في تصريح لوكالة فرانس برس أن مثل هذه الخطوة قد تُشعل الأسواق، وسط مخاوف متزايدة من حرب طويلة تؤثر على التدفقات الحيوية للنفط والغاز.
أسواق الغاز ليست بمنأى
التأثير لا يقتصر على سوق النفط فقط. فوفقًا للو مينغ بانغ من شركة “ريستاد إنرجي”، فإن مضيق هرمز يمثل ممرًا رئيسيًا لما يقرب من 20% من صادرات الغاز الطبيعي المسال العالمية، وهو ما يجعل النزاع تهديدًا مباشرًا أيضًا لإمدادات الطاقة البديلة، خصوصًا في ظل التوترات المرتبطة بأمن الطاقة العالمي. وقد ذكرت وكالة بلومبرغ أن قطر، أحد أبرز مصدّري الغاز، طلبت من ناقلاتها التريث خارج المضيق بانتظار تحسّن الأوضاع الأمنية قبل السماح لها بالدخول.
ورقة الردع الاقتصادي: أكثر من مجرد تهديد
يشبّه البعض التهديد الإيراني بإغلاق مضيق هرمز بسلاح نووي اقتصادي. الباحث فرانسيس بيرين، مدير الأبحاث في معهد العلاقات الدولية والاستراتيجية، قال في حديث لإذاعة فرنسا الدولية في 15 يونيو إن “حصار مضيق هرمز يشبه إلى حد ما السلاح النووي الإيراني”، موضحًا أن مثل هذه الورقة لا تُستخدم إلا عندما تكون بقاء الدولة مهددًا وجوديًا. وأضاف أن خطوة بهذا الحجم لن تؤدي إلى مجرد ارتفاع الأسعار، بل إلى “انفجارها” عالميًا، مع ما يصاحب ذلك من اضطرابات اقتصادية عابرة للقارات.
مخاطر العزلة وخسارة الحليف الصيني
غير أن أي قرار بإغلاق المضيق لا يخلو من التبعات الاستراتيجية الثقيلة على طهران نفسها. فبحسب بيرين، فإن مثل هذه الخطوة قد تُقابل بردود عسكرية أميركية مباشرة، فضلًا عن استمرار الضربات الإسرائيلية. كما أن ذلك سيُفضي إلى خسارة فورية للصين، التي تُعد المشتري الأكبر للنفط الإيراني، إذ تستحوذ حاليًا على نحو 95% من صادرات طهران النفطية.
وتحظى إيران بدعم سياسي مهم من بكين، الدولة العضو الدائم في مجلس الأمن، والتي تستطيع عرقلة أي قرار دولي ضدها. ووفقًا للباحث ذاته، فإن طهران لن تكون في موقع يسمح لها بإغضاب أحد أبرز داعميها السياسيين والاقتصاديين، لا سيما في ظل الضغوط المتراكمة التي تواجهها على مختلف الأصعدة.
توازن دقيق في لحظة حرجة
التوتر حول مضيق هرمز يعكس حجم المخاطر المتصاعدة في الخليج، حيث يتقاطع الاقتصادي بالعسكري، والدولي بالإقليمي. إيران، وإن كانت تمتلك القدرة على التأثير في حركة الملاحة، تدرك في الوقت ذاته أن أي خطوة غير محسوبة قد تؤدي إلى نتائج عكسية، سواء من الناحية الاقتصادية أو الجيوسياسية. وفي لحظة تبدو فيها الخيارات محدودة والمخاطر متزايدة، تبقى ورقة المضيق في يد طهران أداة ردع لا تقل شأنًا عن أي سلاح آخر، ولكن استخدامها قد يكون بمثابة مغامرة غير قابلة للرجعة.