في قلب صحراء النقب، يقع مفاعل ديمونة النووي، أحد أكثر المنشآت حساسية وسرية في إسرائيل، والذي ظل لعقود خارج النقاش العلني رغم ما يمثله من ثقل استراتيجي في ميزان الردع الإقليمي. لكن مع تصاعد حدة المواجهة مع إيران، وتحول الصراع إلى مستوى غير مسبوق من الانفتاح العسكري، عاد هذا المفاعل ليتصدر واجهة القلق الأمني والسياسي: هل يستطيع ديمونة الصمود أمام هجوم صاروخي إيراني؟ وما حجم الكارثة المحتملة إذا نجحت طهران في إصابته إصابة مباشرة؟
مفاعل ديمونة… من السرية إلى الهشاشة المحتملة
شُيّد مفاعل ديمونة في الستينيات بمساعدة فرنسية، ويُعتقد على نطاق واسع أنه يُستخدم في إنتاج البلوتونيوم لصالح الترسانة النووية الإسرائيلية غير المُعلنة رسميًا. ورغم الحراسة المشددة والتعتيم الأمني، لم يعد المفاعل خارج دائرة الخطر، خاصة في ظل تطور قدرات إيران الصاروخية، وتأكيدها المتكرر أنها قادرة على استهداف عمق إسرائيل بدقة متزايدة.
وإن كانت تل أبيب لطالما اعتمدت على عامل الردع النفسي و”الغموض البنّاء” لحماية منشآتها، فإن الواقع الجديد، الذي باتت فيه المدن والمنشآت الاستراتيجية هدفًا معلنًا من قبل “محور المقاومة”، يجعل من مفاعل ديمونة هدفًا محتملاً في أي مواجهة شاملة مع إيران.
الصواريخ الإيرانية: تطور تقني يهدد الأعماق
خلال السنوات الأخيرة، ركزت إيران على تطوير ترسانة صاروخية بعيدة المدى ومتوسطة الدقة، منها صواريخ “سجيل” و”خرمشهر” القادرة على ضرب أهداف تتجاوز 1500 كيلومتر. وقد أثبتت الهجمات الأخيرة على أهداف داخل إسرائيل، ومنها تل أبيب ومنشآت عسكرية في النقب، أن الدفاعات الجوية الإسرائيلية – رغم كثافتها – ليست محصّنة تمامًا من الاختراق، خصوصًا عندما يتعلق الأمر بوابل من الصواريخ في وقت متزامن.
وبينما تملك إسرائيل منظومة “القبة الحديدية”، و”مقلاع داوود”، ونظام “حيتس” المضاد للصواريخ الباليستية، فإن السؤال الجوهري ليس فقط عن القدرة على اعتراض صاروخ أو اثنين، بل عن فعالية هذه الأنظمة في حال التعرض لهجوم منسق وكثيف يستهدف مواقع محددة بدقة، مثل مفاعل ديمونة.
كارثة نووية محتملة: السيناريو الأسوأ
في حال نجحت إيران – نظريًا – في إصابة مفاعل ديمونة إصابة مباشرة، فإن النتيجة ستكون كارثية ليس على إسرائيل وحدها، بل على كامل المنطقة. فالمفاعل غير مصمم لتحمل ضربات عسكرية مباشرة، وخطر تسرّب إشعاعي واسع النطاق يبقى قائمًا في حال تعرّض بنيته لأي تصدع.
ووفقًا لتقديرات مراكز دراسات أمنية، فإن ضربة ناجحة قد تتسبب في إطلاق مواد مشعة في الجو، مما يؤدي إلى كارثة بيئية وصحية لا تقل خطورة عن حادثة تشيرنوبيل أو فوكوشيما. المناطق المحيطة بالمفاعل، من بينها مدينة بئر السبع، قد تصبح غير صالحة للسكن لسنوات، وسيتوجب إجلاء آلاف السكان. أما التأثير الإقليمي، فيشمل تلوثًا محتملًا يصل إلى الأردن وشبه جزيرة سيناء، ويهدد المجال الجوي والتجاري للشرق الأوسط بأكمله.
الردع النووي في مواجهة التهديد النووي
إسرائيل، التي لا تعترف رسميًا بامتلاكها للسلاح النووي، لطالما اعتبرت أن مجرد وجود ترسانة ردع كافٍ لمنع الأعداء من الإقدام على مغامرات كبيرة. لكن المفارقة أن نفس هذه الترسانة باتت عبئًا في سياق المواجهة الحالية: فكلما اقتربت إيران من كسر سقف التهديد الرمزي، يصبح على إسرائيل أن تقرر كيفية الرد، دون الانجرار إلى صراع نووي مفتوح.
وفي هذا السياق، تدرك تل أبيب أن منشآتها النووية ليست بمنأى عن الخطر، وأن الغموض الذي طالما حماها لم يعد درعًا كافيًا، ما يفتح بابًا جديدًا للتفكير في خيارات الحماية، وربما إعادة النظر في تموضع المرافق أو تطوير تحصينات إضافية.
خطر قائم ومعادلة هشة
مفاعل ديمونة، الذي كان لعقود جزءًا من “اللا-نقاش” الإسرائيلي، بات اليوم نقطة ضعف محتملة في مواجهة تُدار على الحافة. وبين تطور الصواريخ الإيرانية، والقدرة المحدودة لمنظومات الاعتراض، والتداعيات المهولة لأي اختراق ناجح، تظهر هشاشة المعادلة النووية في الشرق الأوسط.
ورغم أن الطرفين – إيران وإسرائيل – لا يبدو أنهما يريدان تجاوز عتبة اللاعودة، إلا أن المسار المتصاعد للصراع، وتعدد اللاعبين، واحتمالات الخطأ أو الحسابات الخاطئة، تجعل من أي ضربة محتملة لمفاعل ديمونة أكثر من مجرد فرضية نظرية… بل قنبلة موقوتة تنتظر لحظة الانفجار.