وسّعت طهران نطاق قصفها الصاروخي ليشمل مختلف مناطق العمق الإسرائيلي، من الشمال إلى الجنوب، مخلفة أضرارًا مادية جسيمة وإصابات بالعشرات، بينها حالات وُصفت بالخطيرة. القصف الجديد يأتي في اليوم الثامن من المواجهة التي باتت تُعدّ الأخطر بين الطرفين منذ عقود، ويشير إلى تحوّل تكتيكي في الرد الإيراني، يتجاوز قواعد الاشتباك التقليدية.
حيفا هدف مركزي: إصابات ومواقع استراتيجية تحت النار
بحسب وسائل إعلام إسرائيلية، فقد سقطت عدة صواريخ على مدينة حيفا الساحلية في الشمال، وهي واحدة من أهم المراكز الاقتصادية والصناعية في إسرائيل. وأكد رئيس بلدية المدينة، يونا ياهف، من موقع أحد الانفجارات، أن الهجوم استهدف “موقعين استراتيجيين”، دون الكشف عن تفاصيل، في ظل الرقابة العسكرية المفروضة على المعلومات المتعلقة بالأضرار التي طالت البنية التحتية.
وقد أحصت الجبهة الداخلية الإسرائيلية أكثر من 100 إصابة في مناطق حيفا وبئر السبع، بينها حالات حرجة، بينما أعلنت فرق الإطفاء عن “أضرار واسعة” خاصة في وسط إسرائيل، حيث طالت الصواريخ مناطق من غوش دان، التي تشمل مدينة تل أبيب، والقدس أيضًا، ما يعكس امتداد الضربات إلى عمق الداخل الإسرائيلي بشكل منسق ومتعدد الاتجاهات.
نوعية الصواريخ ومخاطر بيئية محتملة
أحد التقارير اللافتة نشرته القناة 13 الإسرائيلية، حيث أشارت إلى مخاوف من تسرب “مواد خطيرة” عقب الضربات، من دون أن تحدد ماهية هذه المواد، في حين أفادت القناة السابعة أن عدد الصواريخ في الموجة الأخيرة بلغ نحو 20 صاروخًا. وذكرت بعض المصادر أن أحد الصواريخ كان يحمل رأسًا حربيًا متشظيًا يحتوي على 26 قذيفة صغيرة موجهة، مما يشير إلى استخدام إيران لصواريخ دقيقة مزودة برؤوس مصممة لإلحاق ضرر واسع النطاق ضمن محيط الإصابة.
هذه التفاصيل تثير تساؤلات حقيقية حول قدرة منظومات الدفاع الإسرائيلية، مثل “القبة الحديدية” و”آرو”، على صدّ مثل هذه الهجمات المتعددة الرؤوس والتي تتميز بقدرة تفجيرية وانتشارية عالية.
رقابة إعلامية مشددة وتضييق على المعلومات
رغم اتساع رقعة القصف، لا تزال السلطات الإسرائيلية تفرض رقابة عسكرية صارمة على تداول الصور والمعلومات المتعلقة بحجم الأضرار والخسائر. لكن تسريب بعض المعلومات من وسائل إعلام محلية يدل على أن الهجوم لم يكن استعراضيًا، بل استهدف مواقع فعلية وبنى تحتية حساسة.
كما أن الأصوات المدوية التي سُمعت في تل أبيب والقدس في التوقيت نفسه تشير إلى تنسيق زمني عالي المستوى في تنفيذ الضربات، ما يعزز من فرضية أن إيران باتت تسعى لإحداث “توازن رعب”، وتأكيد أنها قادرة على الوصول إلى العمق الإسرائيلي مهما كانت التحصينات.
قراءة في أبعاد التصعيد
استهداف مناطق مدنية وصناعية ذات طابع “استراتيجي” في حيفا وتل أبيب، إلى جانب التلويح الضمني باستخدام مواد أو رؤوس حربية متطورة، يعبّر عن انتقال إيران من ردود فعل رمزية إلى استراتيجية الردع الفعلي والضغط الميداني، في محاولة لفرض واقع جديد قبل أي مفاوضات محتملة.
وفي المقابل، فإن هذا التصعيد يعزز المخاوف من توسيع رقعة الحرب لتشمل جبهات أخرى، سواء في لبنان أو العراق أو حتى الساحة البحرية، كما يضع إسرائيل تحت ضغط داخلي متزايد لردع الضربات ومنع تكرارها، وهو ما قد يُدخل المنطقة في دوامة من التصعيد يصعب احتواؤها دبلوماسيًا.
في انتظار كبح التصعيد
تبدو إيران في هذه المرحلة وقد قررت رفع مستوى التحدي و”كسر السقف” في عملياتها، مستخدمة أدواتها الصاروخية ليس فقط كرسائل سياسية، بل كضربات فعلية تتحدى مراكز الثقل الإسرائيلية. أما ما إذا كانت إسرائيل سترد بضربة نوعية مماثلة، أو ستسعى إلى كبح التصعيد عبر قنوات دولية، فذلك رهنٌ بالساعات المقبلة التي قد تحمل تغيرات دراماتيكية في مسار هذا النزاع المتصاعد.