تخوض إسرائيل مواجهة عسكرية مع إيران تُعدّ الأوسع والأكثر كلفة في تاريخها الحديث، ليس فقط على المستوى الأمني، بل من زاوية اقتصادية تهدد بزعزعة استقرار الدولة من الداخل. فمع تصاعد العمليات العسكرية وتكثيف استخدام أنظمة الدفاع والهجوم المتطورة، يواجه الاقتصاد الإسرائيلي ضغوطاً غير مسبوقة، وسط مؤشرات أولية على بداية أزمة مالية وإنسانية آخذة في التوسع.
شلل الاقتصاد الإسرائيلي
تكمن خطورة هذه الحرب في استنزافها السريع والمكثف لموارد الدولة، خاصة مع الاعتماد اليومي على منظومات دفاعية مثل «السهم 3» و«مقلاع داود»، التي تكلّف مئات الملايين من الدولارات يوميًا بمجرد تشغيلها. فكل عملية اعتراض واحدة قد تصل تكلفتها إلى أربعة ملايين دولار، ما يجعل استمرار هذه الوتيرة المالية غير قابل للاستدامة في حال امتد النزاع لأسابيع إضافية. وفي الوقت الذي قد تتحمّل فيه إسرائيل حربًا خاطفة لعدة أيام، فإن المؤشرات توحي بأنها دخلت في مواجهة طويلة الأمد قد تنقلب إلى عبء مالي خانق.
الاقتصاد الإسرائيلي، الذي لا يزال يتعافى من تبعات الجائحة وتباطؤ الاستثمار، دخل مرحلة شلل جزئي، مع إغلاق واسع للأعمال التجارية وتوقف شبه كامل في حركة السفر والطيران. هذا التجميد القسري للأنشطة الاقتصادية تسبّب في شلل القطاعات الخدمية، وساهم في تعطل دورة الإنتاج والاستهلاك داخل المجتمع الإسرائيلي. كما أن الأضرار المادية التي طالت البنية التحتية – ومن بينها مصافي نفط وأبراج سكنية وتجارية – أضافت عبئًا جديدًا على موازنات الترميم والتعويضات.
تداعيات الحر الإقليمية
في الجانب الاجتماعي، بدأت تداعيات الحرب بالظهور بشكل ملموس، حيث تعاني آلاف الأسر من التهجير المؤقت، وسط نقص في المرافق والخدمات، وتزايد الضغط على الحكومة لإدارة أزمة داخلية متفاقمة. إغلاق المدارس، وتدهور بيئة العمل، وتوقف الخدمات العامة، كلها مؤشرات تنذر بحدوث أزمة مجتمعية داخلية لا تقل خطورة عن الجبهة العسكرية.
ورغم محاولات طمأنة الأسواق، والتصريحات الإيجابية الصادرة عن مؤسسات التصنيف الائتماني، إلا أن الرهانات على “نصر قريب” لا تبدو مدعومة بالواقع الميداني أو المالي. فكل يوم يمر يُراكم مزيدًا من الديون والنفقات غير المُخطط لها، ما يطرح تساؤلات جادة حول قدرة الحكومة الإسرائيلية على مواصلة الحرب دون اللجوء إلى تقليص الإنفاق العام، أو فرض ضرائب جديدة، أو حتى طلب مساعدات خارجية.
تحمل تبعات الحرب
وبينما تحاول إسرائيل الحفاظ على صورة القوة والهيبة الإقليمية، فإن جبهتها الداخلية تشهد تصدعات بدأت تلامس الطبقات المتوسطة، وتفتح نقاشاً صامتاً حول أولويات الدولة وقدرتها على تحمّل تبعات هذه الحرب المكلفة. وإذا استمرت المعركة دون أفق سياسي واضح، فإن الاحتلال قد يجد نفسه أمام أزمة مركبة: عسكرية، اقتصادية، واجتماعية، قد تغير شكل الدولة ومكانتها في المنطقة لعقود قادمة.