في عمق المشهد الفلسطيني اليومي في الضفة الغربية، تتكرر معاناة الأسر الفلسطينية مع حملات الاعتقال العشوائية التي تنفذها قوات الاحتلال الإسرائيلي، والتي باتت تمثل سياسة ممنهجة تستهدف تفكيك النسيج الاجتماعي، وكسر الإرادة الشعبية في القرى والمخيمات والمدن الفلسطينية، لا سيما في محافظة الخليل، التي تشهد واحدة من أعلى معدلات الاقتحامات والاعتقالات.
معاناة أسر المعتقلين
ما جرى اليوم في الخليل ليس استثناءً، بل هو حلقة جديدة في سلسلة من الانتهاكات المتواصلة. فاعتقال 16 فلسطينيًا دفعة واحدة، بينهم آباء وأبناؤهم، كما في حالة جهاد الصبار ونجليه، أو اعتقال أسر كاملة كما في خربة اسكاك، يشكل استهدافًا مباشرًا للبنية العائلية والمجتمعية الفلسطينية. هذه الاعتقالات لا تأتي نتيجة تهم واضحة أو جرائم مثبتة، بل تتم في سياق حملة عسكرية تفتقر لأي بعد قانوني، وتُنفذ بمداهمات ليلية، واقتحامات عنيفة، يصاحبها غالبًا ترويع للأطفال والنساء، وتخريب متعمد لمحتويات المنازل.
الآثار الإنسانية لهذه السياسات عميقة وممتدة. فكل معتقل لا يُمثل فقط رقمًا في إحصائيات الاحتلال، بل هو رب أسرة، أو شاب في مقتبل حياته، أو طالب جامعي، يختطف من حياته الطبيعية، ويُحتجز دون محاكمة عادلة، في ظروف اعتقال قاسية تُوثقها المنظمات الحقوقية المحلية والدولية. أما أسر المعتقلين، فتدخل في دوامة من المعاناة اليومية؛ ما بين غياب المعيل، أو القلق الدائم، أو العيش تحت تهديد تكرار الاقتحام في أي لحظة.
استهداف رموز العائلات والقيادات الشبابية
إلى جانب ذلك، فإن هذه الحملات تُستخدم أداةً للترهيب والسيطرة، من خلال فرض الحصار على البلدات، ونصب الحواجز، وإغلاق الطرق، وتحويل حياة السكان إلى سجن كبير. وفي الوقت الذي تُصعّد فيه إسرائيل عملياتها في غزة، فإن الضفة الغربية تُستخدم كساحة خلفية للضغط والسيطرة، عبر اعتقالات جماعية تشل الحركة المجتمعية، وتستهدف رموز العائلات والقيادات الشبابية.
غياب المحاسبة الدولية عن هذه السياسات، واستمرار صمت كثير من الجهات الفاعلة، يعطي الاحتلال ضوءًا أخضر للاستمرار في هذه الانتهاكات، متجاوزًا كافة المعايير الإنسانية والقانونية. إن واقع الأسرى الفلسطينيين وأسرهم في الضفة ليس فقط مأساة يومية، بل هو انعكاس لفشل المجتمع الدولي في فرض حماية قانونية للفلسطينيين، في مواجهة واحدة من أكثر أشكال الاحتلال تطرفًا وعنفًا في العصر الحديث.
إن استمرار هذا النمط من الاعتقال، دون محاكمة أو حتى لائحة اتهام واضحة، يُكرّس واقعًا مقلقًا يهدد مستقبل جيل كامل، ويؤكد أن المعركة في الضفة الغربية ليست فقط حول الأرض، بل حول الوجود الإنساني والكرامة والهوية.