رغم التصعيد الإسرائيلي المستمر والانتهاكات المتواصلة في الأراضي الفلسطينية، برزت وزارة التربية والتعليم الفلسطينية كمثال حقيقي على صلابة الإرادة الوطنية والتنظيم المؤسسي، من خلال نجاحها في إطلاق امتحانات الثانوية العامة (التوجيهي) في موعدها المحدد، وسط ظروف استثنائية، أمنياً وإنسانياً. هذا النجاح لم يكن مجرد خطوة إدارية، بل تأكيد على أن التعليم في فلسطين هو أحد أعمدة الصمود في وجه الاحتلال، وأن الاستثمار في الإنسان ما زال على رأس أولويات الدولة، حتى في أحلك اللحظات.
التعليم سلاح الشعب الفلسطيني
زيارة محافظ رام الله والبيرة ووزير التربية والتعليم وعدد من كبار المسؤولين التربويين والأمنيين لعدد من مدارس رام الله مع بدء الامتحانات، لم تكن بروتوكولية فحسب، بل تحمل رسالة قوية مفادها أن الدولة بكافة أركانها تقف خلف الطلبة، وتعتبر امتحانات الثانوية العامة ليس مجرد حدث أكاديمي، بل محطة وطنية جامعة تتجسد فيها معاني الحياة والثبات والإرادة. وقد جاءت كلمات المحافظ ليلى غنام ووزير التعليم أمجد برهم لتعكس هذه الروح، حين أكدا أن التعليم هو سلاح الشعب الفلسطيني في معركة التحرر وبناء الدولة، رغم كل محاولات الاحتلال لإعاقة هذا المسار.
الترتيبات الاستثنائية التي اتخذتها الوزارة هذا العام جاءت استجابة لتحديات مركّبة، خاصة في المحافظات الجنوبية، حيث يواجه آلاف الطلبة في قطاع غزة ظروفًا مأساوية بفعل العدوان الإسرائيلي، بما يشمل النزوح والدمار وفقدان أفراد من الأسرة والبنية التحتية التعليمية. ورغم ذلك، حافظت الوزارة على موقف مبدئي واضح: لا يجوز أن يُحرم أي طالب من حقه في التعلّم والاختبار، حتى لو كان تحت القصف أو في خيمة نزوح. ولهذا، جرى العمل على تطوير خطط بديلة تضمن إدراج طلبة غزة لاحقاً في دورة امتحانات استثنائية، فور توفر الشروط الملائمة.
تهديدات أمنية وحواجز عسكرية
في الضفة الغربية، لم تخلُ الأجواء من تهديدات أمنية وقيود حركة وحواجز عسكرية، إلا أن الوزارة، بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية، وضعت خطة محكمة لتأمين البيئة التعليمية خلال فترة الامتحانات، شملت توزيع المراقبين، وتنظيم الحراسة، وتوفير الدعم الطبي والنفسي، إضافة إلى إنشاء غرف عمليات مركزية وفرعية، تعمل على مدار الساعة لمتابعة أي طارئ. هذه المنظومة جسّدت مبدأ “الشراكة الوطنية”، حيث انخرطت كافة الأطراف في مهمة وطنية واحدة: حماية حق الطلبة في الوصول إلى مقاعدهم وإتمام عامهم الدراسي.
ما تحقق في اليوم الأول من امتحانات الثانوية العامة يثبت مجددًا أن الشعب الفلسطيني لا يهزم رغم الألم، وأن كل قذيفة تُطلق لتكسر الروح، تُقابل بإرادة تُبنى على الكتاب والقلم. وبينما تسعى إسرائيل إلى تفكيك البنية الاجتماعية الفلسطينية، يرد الفلسطينيون بالتعليم كخيار استراتيجي، يضمن لهم البقاء والتطور ومراكمة أدوات التحرر.
رسالة سياسية عميقة
تنظيم الامتحانات وسط التحديات يُعد فعلًا مقاومًا بامتياز، ليس فقط لأنه يحافظ على العملية التعليمية، بل لأنه يرسل رسالة سياسية عميقة للعالم: أن الفلسطينيين، حتى وهم تحت الحصار والقصف، متمسكون بحقهم في الحياة، في المستقبل، وفي وطن حرّ عادل لا يُقاس بعدد الحواجز، بل بعدد الخريجين الذين يواصلون حلمهم رغم الاحتلال.