يُشكّل تقرير الدائرة الدبلوماسية للاتحاد الأوروبي خطوة لافتة في مسار التعاطي الأوروبي مع الانتهاكات الإسرائيلية، ويكتسب أهمية سياسية وقانونية كبرى نظراً لمكانة الجهة المصدرة له، ولما يتضمنه من إشارات صريحة إلى احتمال خرق إسرائيل لاتفاقية الشراكة القائمة بينها وبين الاتحاد، والتي تُعد من أعمدة العلاقات الثنائية بين الطرفين منذ العام 2000.
الانتهاك في غزة
جوهر التقرير يتمحور حول المادة الثانية من الاتفاق، التي تنص بشكل واضح على أن علاقات الشراكة تقوم على “احترام حقوق الإنسان والمبادئ الديمقراطية”، ما يجعل أي انتهاك لهذه المبادئ سبباً قانونياً لإعادة النظر في الاتفاق، أو حتى تعليقه جزئياً أو كلياً. ومن هنا، فإن مجرد إثارة هذا البند من قبل الاتحاد الأوروبي يُعد تطوراً سياسياً غير مسبوق في اللغة الدبلوماسية الأوروبية تجاه إسرائيل، والتي لطالما اتسمت بالتحفظ والتوازن المائل لصالح تل أبيب.
التقرير لم يكتفِ بتلميحات، بل استند إلى “حقائق تم التحقق منها” و”تقييمات صادرة عن مؤسسات دولية مستقلة”، وهذا يعزز من مصداقيته، ويُصعّب على إسرائيل محاولة نفيه أو التقليل من أهميته. كما تناول بشكل مفصل مظاهر الانتهاك في غزة، لا سيما الحصار، ومنع المساعدات، واستهداف المدنيين، والمرافق الصحية، فضلاً عن الإشارة إلى ممارسات المستوطنين والجيش في الضفة الغربية، والتي تُسهم في تعقيد الوضع الإنساني والسياسي.
تزايد الضغط الشعبي داخل أوروبا
الدلالات السياسية لهذا التقرير لا تقتصر على بعده القانوني فحسب، بل تحمل إشارات واضحة إلى تغيّر مزاج بعض عواصم أوروبا تجاه السياسات الإسرائيلية، خصوصاً بعد اتساع رقعة الدمار في غزة، وتزايد الضغط الشعبي داخل أوروبا لمحاسبة تل أبيب على ما يُنظر إليه بوصفه انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان ولقواعد القانون الدولي الإنساني.
هذا التحول، وإن كان بطيئًا، إلا أنه يعكس تصاعدًا في حدة النقد الأوروبي، ويدفع باتجاه إمكانية تفعيل أدوات سياسية واقتصادية في وجه إسرائيل، مثل إعادة النظر في اتفاقات التعاون، أو استخدام أدوات الضغط المرتبطة بملف المساعدات والتجارة.
إجراءات ملموسة تتجاوز الإدانة اللفظية
في السياق الأوسع، فإن هذا التقرير يشكل أرضية قوية يمكن أن تستند إليها منظمات المجتمع المدني، والجهات الحقوقية، وحملات المقاطعة (BDS)، للمطالبة بإجراءات ملموسة تتجاوز الإدانة اللفظية. كما أنه يمنح مساحة جديدة للدبلوماسية الفلسطينية للتحرك في الأوساط الأوروبية على أساس مستند قانوني وسياسي يعترف بوقوع الانتهاكات، ويمهد لخطوات تصعيدية.
التقرير الأوروبي يمثل لحظة فارقة في علاقة تل أبيب ببروكسل، وقد يكون بداية تحول في المعادلة، خصوصًا إذا تزايد عدد الدول الأعضاء في الاتحاد التي تضغط لتفعيل نتائج هذا التقييم. وفي حال لم تتم الاستجابة لمضمونه، فإن الاتحاد الأوروبي ذاته سيكون أمام اختبار لمصداقيته، ومدى التزامه بمبادئه المعلنة في مواجهة جرائم تُرتكب على مرأى ومسمع من العالم.