في خضم التصعيد الإقليمي مع إيران، والتوتر المستمر في قطاع غزة، أعلن الجيش الإسرائيلي عن نجاح عملية خاصة تمكّن خلالها من استعادة جثامين ثلاثة رهائن كانوا محتجزين في غزة منذ الهجوم الذي شنّته حركة “حماس” في السابع من أكتوبر 2023. ورغم أن الرهائن الثلاثة كانوا قد قُتلوا منذ بدء الهجوم، إلا أن إسرائيل حرصت على إعلان استرجاع جثثهم باعتبار ذلك “إنجازًا عسكريًا وأخلاقيًا”، في خطوة يبدو أنها تتجاوز الطابع العملياتي، وتتجه نحو البعد السياسي والنفسي الداخلي.
تصاعد الانتقادات ضد نتنياهو
منذ بداية الحرب في غزة، وملف الرهائن يُعد أحد أكثر القضايا حساسية في الداخل الإسرائيلي، ليس فقط من الناحية الإنسانية، بل لما له من تبعات مباشرة على شرعية الحكومة وثقة الشارع في مؤسسات الأمن والقيادة السياسية. ومع تصاعد الانتقادات ضد بنيامين نتنياهو بشأن إدارة الحرب، وتراجع الدعم الشعبي له بحسب استطلاعات رأي متكررة، تمثل أي عملية تتعلق بالرهائن –حتى ولو كانت استعادة جثث– فرصة لتعزيز موقعه وإعادة تصويب النقاش الوطني نحو “الإنجازات” بدلاً من “الإخفاقات”.
نتنياهو، الذي يواجه ضغطًا داخليًا متزايدًا نتيجة طول أمد الحرب، والخسائر البشرية، وفشل التوصل إلى صفقة شاملة للإفراج عن الأسرى الأحياء، يوظف مثل هذه العمليات بشكل واضح ضمن استراتيجية إعلامية موجهة بدقة. الإعلان عن استعادة جثامين عوفرا كيدار ويوناتان سامرانو وشاي ليفينسون لم يكن مجرّد خبر عسكري، بل جاء متزامنًا مع تصريحات رسمية تؤكد استمرار “الحملة لاستعادة الرهائن”، وهو ما يربط بين المشهد القتالي في غزة والمعركة الإقليمية مع إيران، ضمن إطار موحّد يضفي طابعًا بطوليًا على الأداء العسكري الإسرائيلي.
فشل الحكومة الإسرائيلية
هذا النوع من الخطاب يحمل رسائل متعددة. داخليًا، يخاطب القاعدة اليمينية التي تطالب بحسم عسكري في غزة وعدم تقديم تنازلات لـ”حماس”، وفي الوقت ذاته يوجّه إشارات للتيار الوسطي والعائلات التي لا تزال تنتظر مصير أبنائها، بأن الحكومة لا تتخلى عن الرهائن، حتى بعد وفاتهم.
لكن في المقابل، يطرح هذا السلوك عدة تساؤلات بشأن طبيعة “الإنجاز” المعلن: هل تعكس استعادة الجثامين انتصارًا أم تعرّي فشلًا سابقًا في إنقاذهم؟ وهل تُعد هذه العمليات، مهما كانت دقيقة ومكلفة، بديلاً عن التوصل إلى صفقة تبادل تنقذ من تبقّى حيًا من الرهائن؟
تباهي إسرائيل باستعادة الجثامين
يبدو أن نتنياهو يدرك أن الرأي العام الإسرائيلي لا يعبّر عن كتلة موحّدة، بل ينقسم بين من يريد استمرار الحملة ضد غزة، ومن يطالب بصفقة عاجلة لإعادة الأحياء. لذا، فإن الإعلان عن استعادة جثث القتلى هو محاولة لتقديم “إنجاز معنوي” يمكن بيعه للطرفين: للأول باعتباره دليلًا على الحسم العسكري، وللثاني باعتباره تأكيدًا على التزام الحكومة بالرهائن مهما كانت الظروف.
وبالتالي، فإن “تباهي” إسرائيل باستعادة الجثامين ليس مجرد فرح بإنجاز ميداني، بل هو انعكاس لحاجة سياسية ملحّة لدى نتنياهو لإعادة ضبط بوصلته السياسية في الداخل، وسط أزمات متشابكة بين غزة وطهران وتل أبيب. إنه خطاب مبني على الرمزية أكثر من الواقعية، وعلى التوظيف السياسي أكثر من الأثر العملياتي، في وقتٍ يزداد فيه الضغط على الحكومة من الخارج والداخل على حد سواء.