تأتي تصريحات رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، التي أكد فيها عزمه على إعادة ما تبقى من الرهائن في قطاع غزة، لتضيف بعدًا سياسيًا واستراتيجيًا جديدًا إلى مشهد الحرب المتواصلة على القطاع، والتي تجاوزت حدود العمل العسكري لتتحول إلى أزمة إنسانية وسياسية معقدة. وبينما يُفترض أن تكون مسألة استعادة الرهائن أولوية إنسانية قصوى، فإن ما حملته تصريحاته الأخيرة من إشارات غير مباشرة يثير تساؤلات جوهرية حول نوايا القيادة الإسرائيلية، ومدى ارتباط استمرار الحرب بأجندات سياسية داخلية وإقليمية.
تمديد العمليات العسكرية
نتنياهو استخدم تعبير “هذا سيستغرق وقتًا إضافيًا”، وهو تعبير لا يحمل فقط إقرارًا بصعوبة المهمة، بل يوحي بأن مسألة استعادة الرهائن قد لا تكون على وشك الحسم القريب، بل قد تُستخدم كذريعة لتمديد العمليات العسكرية في غزة. ويُقرأ هذا التصريح في سياق تصاعد الضغوط الداخلية عليه، سواء من عائلات الرهائن أو من خصومه السياسيين، الذين يحمّلونه مسؤولية فشل المفاوضات وتعثر مساعي إطلاق سراح الأسرى.
الأخطر في التصريح هو ربطه بين الحملة العسكرية على إيران وبين تحقيق الأهداف في غزة، وهو ربط يوحي بوجود بعد استراتيجي أوسع يتجاوز مجرد المواجهة مع “حماس”، ليمتد إلى محاولة إعادة ترسيم التوازنات الإقليمية في المنطقة، وتوجيه رسائل ردع إقليمية عبر تصعيد محسوب مع طهران. بهذا الربط، يُمكن تفسير أن الحرب على غزة لم تعد فقط لحسم قضية الرهائن، بل باتت أداة ضمن معادلة إقليمية أوسع، تخدم مشروع الهيمنة الإسرائيلية وردع خصومها الإقليميين.
إفشال مساعي التهدئة
هذه التصريحات تدل أيضًا على رغبة واضحة في إطالة أمد الحرب، سواء من خلال تأخير الحسم العسكري، أو عبر إفشال مساعي التهدئة التي تقودها أطراف إقليمية ودولية. فكلما طال أمد القتال، كلما تمكّن نتنياهو من إدارة الأزمة الداخلية ضمن سياق “الحرب الضرورية”، محولًا الأنظار عن أزماته القضائية والسياسية، ومستثمرًا في شعارات “الأمن القومي” لاستعادة شعبيته المتآكلة.
ما بين تعقيد قضية الرهائن، واستمرار المعارك في غزة، واستخدام التصعيد الإقليمي كورقة ضغط، يبدو أن تصريحات نتنياهو تعكس استراتيجية طويلة المدى، تهدف ليس فقط إلى فرض شروط على المقاومة، بل إلى استخدام الأزمة كأداة بقاء سياسي في مواجهة تحدياته الداخلية. وهو ما يترك الباب مفتوحًا أمام المزيد من التصعيد والمعاناة، لا سيما في ظل غياب أي أفق حقيقي لتسوية شاملة أو وقف عاجل للعدوان.