تُواصل الرئاسة الفلسطينية بقيادة الرئيس محمود عباس تحركاتها الدبلوماسية المكثفة، في محاولة لإبقاء القضية الفلسطينية حيّة على الساحة الدولية والإقليمية، رغم انسداد الأفق السياسي وتصاعد العدوان الإسرائيلي المستمر، لا سيما في غزة والضفة الغربية. اللقاء الذي جمع الرئيس عباس بسفير الجمهورية التونسية حبيب بن فرح، وما حمله من رسالة دعم واضحة من الرئيس التونسي قيس بن سعيد، يُمثّل واحدًا من محطات هذه الجهود التي تهدف إلى حشد التأييد العربي والدولي، وتأكيد الثوابت الفلسطينية في وجه محاولات التصفية أو التهميش.
توسيع دائرة الدعم
الرسالة التونسية التي عبّر عنها قيس بن سعيد ليست مجرد مجاملة دبلوماسية، بل تعكس عمق الروابط التاريخية بين الشعبين الفلسطيني والتونسي، وتُعيد التأكيد على مركزية القضية الفلسطينية في الوجدان العربي. وبتثمينه مبادرة الرئيس محمود عباس في منح “وسام فارس فلسطين” للطالب التونسي فارس خالد، الذي استشهد أثناء رفعه العلم الفلسطيني، وجّه الرئيس التونسي إشارة واضحة بأن التضامن مع فلسطين لا يقتصر على المواقف السياسية الرسمية، بل يمتد إلى عمق الشعوب وحساسيتها الوطنية.
الرئاسة الفلسطينية تُدرك تمامًا أن المعركة السياسية لا تقل أهمية عن المواجهة الميدانية، وأن تثبيت الرواية الفلسطينية في المحافل الدولية يتطلب بناء شبكة من الحلفاء التقليديين والجدد، لا سيما في ظل اختلال موازين القوى ومواقف بعض الأطراف الدولية المنحازة للاحتلال. لذلك، تسعى القيادة الفلسطينية إلى توسيع دائرة الدعم عبر تعزيز العلاقات الثنائية مع الدول الشقيقة والصديقة، وتكثيف التنسيق مع الدول العربية التي لا تزال تلتزم بالموقف التاريخي الداعم لفلسطين، مثل تونس، الجزائر، والكويت.
تحريك الرأي العام العالمي
إلى جانب ذلك، تستخدم الرئاسة أدوات التكريم الرمزية والسياسية، مثل منح الأوسمة الوطنية، كوسيلة لإبراز وحدة الدم والمصير العربي المشترك، وإبقاء القضية الفلسطينية حاضرة في وجدان الأمة، خصوصًا في الوقت الذي تسعى فيه بعض الأطراف الإقليمية إلى تطبيع العلاقات مع الاحتلال الإسرائيلي بمعزل عن الحل العادل للقضية.
وفي ظل الانقسام الفلسطيني الداخلي وتعثر جهود المصالحة، تُحاول الرئاسة الفلسطينية تعزيز موقعها السياسي والدبلوماسي من خلال التحرك على مستويات متعددة، تشمل الأمم المتحدة، والاتحاد الأوروبي، والاتحاد الإفريقي، ومنظمة التعاون الإسلامي، إضافة إلى تحريك الرأي العام العالمي عبر توثيق الانتهاكات الإسرائيلية وتقديمها للمؤسسات القانونية الدولية، بما فيها المحكمة الجنائية الدولية.
تثبيت المطالب الفلسطينية بالاستقلال
ومع تصاعد الجرائم الإسرائيلية في قطاع غزة وتزايد الضغط الشعبي العربي والدولي، تبدو هذه الجهود ضرورية لإعادة تسليط الضوء على الحقوق الفلسطينية المشروعة، والدفع نحو فرض مسؤولية دولية حقيقية على إسرائيل، وتثبيت المطالب الفلسطينية بالاستقلال، وإنهاء الاحتلال، وإقامة الدولة الفلسطينية على حدود عام 1967 وعاصمتها القدس الشرقية.
في المجمل، تسير الرئاسة الفلسطينية على خط دقيق بين إدارة واقع سياسي ضاغط وتحشيد تأييد خارجي بات أكثر تعاطفًا نتيجة فظائع الحرب الجارية. ومع كل زيارة، أو رسالة، أو تحرك رمزي، تُحاول القيادة أن تبقي شعلة الشرعية الدولية حية، وتحافظ على حضور فلسطين كقضية مركزية رغم محاولات النسيان والتجاوز.