في واحدة من أكثر العمليات الأميركية دقة وحساسية خلال السنوات الأخيرة، نفذت طائرات الشبح “بي-2” ضربة واسعة النطاق على منشآت نووية إيرانية، مستخدمة 75 سلاحًا بحمولة إجمالية تُقدّر بـ182 طنًا من المتفجرات. العملية التي استغرقت نحو 25 دقيقة فقط، صُنفت في البنتاغون كجزء من مخطط استباقي تم التحضير له على مدى أشهر، بهدف تقويض البنية النووية الإيرانية دون إشعال حرب شاملة، لكنها في الوقت نفسه، فتحت الباب أمام تصعيد خطير.
مفاجأة الزمان والمكان تشعل طهران
جاءت الضربة الأميركية في وقت كانت فيه الأنظار متجهة إلى التصعيد الإسرائيلي ضد إيران، مما جعل دخول واشنطن المفاجئ سابقة استراتيجية أربكت الحسابات الإيرانية. وفي رد فعل غاضب، صرّح علي أكبر ولايتي، مستشار المرشد الأعلى علي خامنئي، بأن “لا مكان آمناً للولايات المتحدة في الشرق الأوسط”، محذرًا من عواقب غير قابلة للإصلاح، في ما يشير إلى اتجاه إيران نحو رد غير تقليدي.
مراجعة الحسابات الإيرانية: ما بعد الضربة ليس كما قبلها
من الواضح أن القيادة الإيرانية لم تكن تتوقع هذا التوقيت، خصوصًا أن الرئيس الأميركي دونالد ترامب صرّح قبل أيام بمنح إيران “مهلة أسبوعين” لإنهاء الحرب، قبل أن ينقضّ عليها عسكريًا. ويبدو أن هذه الازدواجية في الخطاب كانت خدعة تكتيكية هدفت إلى تضليل طهران وجرّها إلى كمين استراتيجي.
النتيجة: إيران وجدت نفسها بلا أوراق تفاوضية تُذكر، وهو ما قد يدفعها إلى تصعيد ميداني، لا بهدف الانتصار فقط، بل لانتزاع موقع تفاوضي أفضل على الطاولة، وفق ما يرى بعض المحللين.
قواعد أميركية على خط النار
الضربة الأميركية لم تمر دون تحركات ميدانية لواشنطن على الأرض. فمع ارتفاع منسوب التوتر، شهدت القواعد الأميركية في سوريا حالة استنفار ملحوظة، وشرعت القيادة الأميركية بسحب جزء من قواتها، بما يوازي ربع التواجد العسكري في الشمال الشرقي للبلاد.
وتمّ إخلاء قواعد استراتيجية مثل العمر وكونيكو، وقبلها تل البيدر والوزير، في محاولة لتحصين الجنود الأميركيين من أي رد إيراني محتمل.
طهران أمام خيارات الرد: من الصواريخ إلى الوكلاء
يرى الباحث في العلاقات الدولية محمد حاج عثمان أن إيران لن تلتزم الصمت، متوقعًا أن يكون الرد إما عبر صواريخ مباشرة تستهدف قواعد أميركية في سوريا، أو عبر خيار غير مباشر باستخدام الحشد الشعبي في العراق كذراع ميدانية لإرسال الرسائل دون إثارة مواجهة مفتوحة.
هذه الاستراتيجية تسمح لطهران بالحفاظ على هامش المناورة السياسي، وبتوجيه الضربات دون تجاوز عتبة الحرب الشاملة التي لا تريدها.
واشنطن تعيد التموضع وتفرض واقعًا جديدًا
ما يُستشف من هذه التطورات هو أن الولايات المتحدة فرضت معادلة ردع جديدة على إيران، دون الحاجة لخوض حرب شاملة. الضربة كانت “محددة الهدف”، لكنها مفتوحة النتائج، إذ وضعت إيران أمام معادلة خاسرة: إما الرد وتصعيد النزاع، أو التراجع وقبول التآكل التدريجي في هيبتها الإقليمية.
الشرق الأوسط على صفيح ساخن
الضربة الأميركية على المواقع النووية الإيرانية لم تكن مجرد رسالة عسكرية، بل إعادة رسم لقواعد الاشتباك في المنطقة. واشنطن أظهرت أنها لا تزال قادرة على المفاجأة والتأثير في المعادلة، بينما وجدت طهران نفسها في مواجهة تحدٍ مزدوج: الرد دون الانفجار، أو السكوت مع فقدان النفوذ.
الأيام القادمة ستكون حاسمة، فإيران مطالبة باتخاذ قرارات توازن بين الكرامة الوطنية وحسابات البقاء، في وقتٍ لم تعد فيه خطوط التصعيد قابلة للتنبؤ أو الاحتواء.