نقلت شبكة CNN عن مصادر مطلعة في الاستخبارات الأميركية أن الضربات الأخيرة التي نفذتها واشنطن على ثلاث منشآت نووية إيرانية، لم تُدمّر البنية التحتية الأساسية للبرنامج النووي الإيراني، بل يُرجَّح أنها عطّلته لبضعة أشهر فقط. تقييمٌ أولي أثار جدلاً داخليًا، قابلته كارولاين ليفيت، المتحدثة باسم البيت الأبيض، بالنفي التام، واصفةً إياه بأنه “تقدير خاطئ تمامًا”.
هذا التباين يعكس وجود خلاف داخل الأوساط الأميركية حول مدى فعالية الضربات ومدى تحقيقها لأهدافها الاستراتيجية، خصوصًا مع طموح إدارة ترامب في توجيه “ضربة قاضية” للبنية النووية الإيرانية.
أزمة تتبع دولية: الضربات تُربك الوكالة الذرية
في تقرير لوكالة بلومبيرغ، تم تسليط الضوء على حجم التحدي الذي تواجهه الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعد الضربات الأميركية والإسرائيلية الأخيرة. الضربات، بحسب التقرير، لم تقتصر على تدمير منشآت، بل قوّضت نظام الرقابة الدولي، وأدت إلى فقدان أدوات المراقبة الضرورية، مما زاد من صعوبة تتبع الأنشطة النووية الإيرانية، التي قد تنتقل لاحقًا إلى مواقع سرية تحت الأرض.
بلومبيرغ نقلت عن خبراء في المجال النووي أن العملية العسكرية أدّت إلى تعقيد المهمة الرقابية أكثر من تعطيل البرنامج ذاته، إذ بات من غير الواضح حجم ما تبقى من القدرات النووية الإيرانية، أو المواقع التي قد تكون فُعّلت سرًا بعد الضربة.
الرواية الرسمية مقابل التحليلات المستقلة
الرئيس الأميركي دونالد ترامب أعلن أن المواقع المستهدفة دُمّرت بالكامل، لكن صور الأقمار الصناعية وتحليلات مستقلة لم تؤكد صحة هذا الادعاء حتى الآن. وبحسب ثلاثة خبراء تحدثوا لـ”بلومبيرغ”، فإن الضربات لم تُحقق “نصرًا سريعًا”، بل أنتجت مأزقًا استخباراتيًا جديدًا يتعلق بكيفية ضمان عدم قيام طهران بإعادة تشغيل البرنامج في منشآت أكثر تعقيدًا وسرية.
صور الأقمار الصناعية: نتائج جزئية ومواقع لم تُخترق
أظهرت صور التقطتها شركة مختصة بتقنيات الفضاء يوم الأحد الماضي لموقع فوردو النووي وجود فوهات وانهيارات محتملة في مداخل أنفاق، ما يشير إلى حدوث تأثير ملموس للضربات. ومع ذلك، أفادت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بعدم تسجيل أي تسرب إشعاعي، وأظهرت الصور أن مبنى التحكم في نظام التهوية لم يتضرر، مما يشير إلى عدم اكتمال الضربة على المستوى الهندسي.
أما في موقع نطنز، فقد كشفت شركة “ماكسار” عن حفرة بقطر 5.5 متر ظهرت في التربة فوق المنشأة. ومع أن الحفرة تُظهر أثرًا مباشرًا للقصف، إلا أنها لا تؤكد اختراق القذائف للموقع المدفون على عمق 40 مترًا تحت الأرض، والمحصّن بغلاف من الخرسانة والفولاذ.
تداعيات استراتيجية: من الردع إلى الإرباك
الضربات الأميركية بدت أكثر رمزية من كونها عملية شاملة للقضاء على القدرات النووية الإيرانية. فبينما تم التخطيط لها لتكون “دقيقة واستباقية”، إلا أن نتائجها الفعلية على الأرض تشير إلى تعطيل مؤقت وليس إلى دمار كلي. في المقابل، فإن رد الفعل الإيراني لم يتبلور بعد، وسط ترقب لمدى استعداد طهران للانتقام أو تغيير استراتيجيتها النووية.
الأهم من ذلك، هو أن الضربات فتحت الباب أمام مرحلة “اللايقين النووي”، حيث أصبحت أنشطة إيران تحت الأرض أكثر صعوبة في التتبع، وهو ما قد يفضي إلى سباق جديد بين الضربات العسكرية والرقابة التقنية.
ضربة غير حاسمة في معركة مفتوحة
العملية الأميركية على المنشآت النووية الإيرانية حملت رسائل ردعية، لكنها لم تُحسم عسكريًا أو استخباراتيًا. وبين التقديرات الاستخباراتية المتضاربة، والرقابة الدولية المشوشة، وتهديدات طهران المستترة، يبدو أن الضربة فتحت فصلًا جديدًا في لعبة القط والفأر النووية بين إيران وخصومها، بدلًا من أن تنهيها.