استضافت القاهرة جولة مشاورات سياسية مع وفد تركي رسمي، تمهيدًا لعقد الاجتماع الأول لـ”مجموعة التخطيط المشتركة” برئاسة وزيري خارجية البلدين. وأكد بيان وزارة الخارجية المصرية أن الجولة ناقشت سبل تعزيز التعاون الثنائي، وتبادل الرؤى بشأن ملفات إقليمية ودولية ذات اهتمام مشترك، في ضوء ما تتمتع به القاهرة وأنقرة من ثقل سياسي في المنطقة.
ترأس الوفد المصري السفير وائل حامد، مساعد وزير الخارجية للشؤون الأوروبية، في حين قاد الوفد التركي برهانتين دوران، نائب وزير الخارجية التركي، وعُقدت الاجتماعات في مقر الخارجية المصرية بالعاصمة الإدارية الجديدة.
المصالح تُعيد رسم الأولويات
رغم استمرار الخلافات الجوهرية في عدد من الملفات الحساسة، اتفق مراقبون على أن الظروف التي تمر بها المنطقة دفعت الطرفين إلى تغليب المصالح السياسية والاقتصادية على التباينات الاستراتيجية. هذا التحول الواضح في السلوك السياسي يُعبّر عن براغماتية متبادلة تهدف إلى تطبيع العلاقات وتفعيل التعاون في مجالات الطاقة، الاستثمار، والتنسيق الإقليمي.
ويعكس هذا المسار الجديد نضجًا دبلوماسيًا لدى الطرفين، مدفوعًا بتطورات إقليمية معقدة مثل النزاع في غزة، توترات البحر المتوسط، وأزمة مياه النيل.
الملفات الخلافية: لا تزال على الطاولة
رغم لغة التقارب، لا تزال خلافات جوهرية تفصل القاهرة وأنقرة في عدة ملفات:
-
شرق المتوسط: حيث ترفض مصر الاتفاق البحري الموقع بين تركيا وحكومة الوحدة الليبية، والذي يمنح أنقرة نطاقًا بحريًا واسعًا في المنطقة الاقتصادية.
-
ليبيا: تدعم تركيا حكومة الوحدة، فيما تساند مصر “الجيش الوطني الليبي” بقيادة المشير خليفة حفتر.
-
القرن الأفريقي: تثير الوساطة التركية بين إثيوبيا والصومال قلق القاهرة، في ظل احتمال منح أديس أبابا منفذًا بحريًا دائمًا، وهو ما تعتبره مصر متغيرًا استراتيجيًا يمس أمنها القومي.
رغم ذلك، تُظهر القاهرة وأنقرة استعدادًا لتجاوز هذه التباينات عبر مسارات الحوار المفتوح والهادئ.
إشارات متبادلة على تحسين العلاقات
خلال الأشهر الماضية، تبادل البلدان تعيين سفيرين لأول مرة منذ توتر العلاقات في 2013، كما أجرى الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي زيارة رسمية إلى تركيا أواخر العام الماضي، في مؤشر واضح على رغبة الجانبين في إعادة بناء جسور الثقة.
ويُنظر إلى هذه التطورات على أنها جزء من انطلاقة سياسية جديدة، تسعى لتحويل صفحة الخلافات إلى علاقات طبيعية ومستقرة تستجيب لمتغيرات المشهد الإقليمي.
توازن معقد في ظل واقع متغير
التقارب المصري–التركي لا يعني تطابقًا في الرؤى، بل هو محاولة لإدارة الخلافات دون أن تعيق المصالح المشتركة. فبينما لا تزال قضايا المتوسط وليبيا والقرن الأفريقي تشكل نقاط توتر، إلا أن وجود إرادة سياسية لدى الطرفين لاحتوائها قد يمهد الطريق لمرحلة أكثر تعاونًا.
يبقى التحدي في تحويل هذه الدينامية الجديدة إلى شراكة استراتيجية طويلة الأمد، قادرة على مواجهة تقلبات المنطقة وموازنة المصالح دون تفريط أو صدام.