في ظل استمرار المجازر المروعة بحق المدنيين في قطاع غزة، ومع تصاعد أعداد الشهداء والجرحى جراء استهداف نقاط توزيع المساعدات، يبرز موقف حركة حماس من جديد في إطار سلسلة من البيانات التي تصف الجرائم المرتكبة وتدين الصمت الدولي، لكنها في الوقت ذاته لا تتجاوز حدود التصريحات والبيانات الإعلامية.
توظيف معاناة غزة
البيان الأخير لحركة حماس، الذي وصف نقاط توزيع المساعدات بـ”مصائد الموت”، يعكس الواقع القاتم الذي يعيشه أهل غزة، لكنه في مضمونه يثير تساؤلات مشروعة حول فعالية الحركة في حماية شعبها، خاصة في ظل اتهامات متزايدة بأنها توظف المعاناة إعلاميًا لتعزيز حضورها السياسي، بدلًا من اتخاذ قرارات استراتيجية قد تُسهم في وقف نزيف الدماء أو تحسين الوضع الإنساني.
رغم توجيه حماس اتهاماتها لإسرائيل والمجتمع الدولي، وتأكيدها على وجود سياسة “إبادة جماعية”، إلا أن الحركة لم تطرح، ولو مرة واحدة، مبادرة ملموسة تتيح للمنظمات الدولية أو حتى الفصائل الفلسطينية الأخرى أن تشارك في إدارة الأزمة. بل إن كل المؤشرات تفيد بأن حماس لا تزال ترفض أي ترتيبات أو شروط تخلّ بسيطرتها على قطاع غزة، حتى لو كان ذلك على حساب استمرار المعاناة الإنسانية.
حماس تلجأ للغة البيانات
وفي الوقت الذي تعلن فيه عن مئات الشهداء وآلاف المصابين، لا توازي ذلك تحركات ميدانية واقعية لحماية الناس، سواء بتأمين نقاط توزيع المساعدات، أو بتوفير ممرات إنسانية آمنة، أو حتى بالسماح لقوى فلسطينية أو عربية محايدة بلعب دور في إدارة المرحلة.
المؤسف أن لغة البيانات وحدها لا تنقذ الأرواح، ولا توقف القصف، ولا تؤمن الغذاء. ومجرد مطالبة المجتمع الدولي “بآلية آمنة” دون أن تُظهر الحركة استعدادها للتنازل عن بعض من تحكّمها الميداني لصالح ترتيبات إنسانية محايدة، يجعل هذا الخطاب فاقدًا للمصداقية والفعالية.
صمت حماس أمام نزيف الدماء
إن الدماء التي تُسفك أمام مراكز المساعدات هي مسؤولية الاحتلال أولًا، دون شك، لكن الصمت عن إدامة الوضع القائم في غزة، واستثمار المأساة في تصريحات سياسية دون تحمّل مسؤولية حقيقية، يجعل من حماس طرفًا غير بريء في إطالة أمد الكارثة.
المطلوب اليوم من الحركة ليس فقط إصدار البيانات، بل اتخاذ خطوات جريئة، حتى وإن كانت مؤلمة سياسيًا، لإنقاذ أرواح الأبرياء، ووضع المصلحة الوطنية والإنسانية فوق الحسابات السلطوية والتنظيمية. أما الاستمرار في دائرة الإدانة الإعلامية دون فعل، فلن يغير شيئًا من واقع شعب يُباد في وضح النهار.