ثمة فجوة كبيرة تظهر بين قيادات حركة حماس في الداخل والخارج، تعكس حالة التخبط التي تعيشها الحركة، بعد اغتيال العديد من قادتها، على يد جيش الاحتلال الإسرائيلي، في حرب المصالح الشخصية بين الطرفين، ودفع ثمنها قطاع غزة، الذي تحول لأكوام من الركام، نتيجة الغارات الإسرائيلية العشوائية، على القطاع.
المشهد في غزة أصبح معتاد يوميًا، وكأننا نتابع مسلسل تليفزيوني حلقاته مكررة. نرى وسائل الإعلام المختلفة، تعلن عن سقوط شهداء وجرحى، معظمهم يتم استهدافهم بشكل مباشر، أمام مراكز توزيع المساعدات، التي نصبتها إسرائيل فخًا، لقتل المدنيين الباحثين «لقمة» تسد جوع أطفالهم.
قيادة هشة
وأمام تلك المشاهد المتكررة، تخرج علينا حماس ببيان مصحوب بمقطع فيديو عن استهداف كتائب القسام التابعة للحركة، لآلة عسكرية إسرائيلية، وقتل أو إصابة بعض جنود وضباط الاحتلال، وكأنها حققت انتصارًا مدويًا، تحاول من خلاله طمأنة الغزيين، بأن المقاومة لازالت القوة لمواجهة الاحتلال.
ومن الواضح أن البنية القيادة للحركة أصبحت «هشة»، ولا تملك الفاعلية الحقيقة، التي تمكنها من تصدر المشهد، وفرض السيطرة على قطاع غزة، الذي تحول إلى ثكنة عسكرية إسرائيلية، بينما يختبئ عناصر حماس داخل الأنفاق ووسط المدنيين، هربًا من الحصار الإسرائيلي.
غضب الغزيين من حماس
عقب إعلان إسرائيل عن اغتيال القيادي الحمساوي محمد السنوار الشقيق الأصغر للقيادي الراحل يحيى السنور، الذي اغتالته إسرائيل أيضاً في غزة، ظهر اسم عز الدين الحداد، وتولى القيادة الميدانية للحركة، في محاولة لإعادة التموضع، ولكن مع مرور الوقت اختفى «الحداد»، ولم يُظهر أي دور ميداني، ليس بالقتال فحسب، وإنما بالتقرب للمواطنين، وبات الشعور بالعزلة يسيطر على الغزيين، وتسلل الشعور بالإحباط لديهم، بأنهم أصبحوا تحت مقصلة الاحتلال، دون وجود سلطة تدافع عنهم، أو توفر جزء من احتياجاتهم.
ومن المؤكد أن غياب الأفق السياسي لقيادات حماس، زاد من معاناة المواطنين، الذين تساءلوا أين اختفى عز الدين الحداد المُكلف بإدارة القطاع؟. السؤال المشروع لم يجد إجابة واضحة، ما يعكس فشل القيادات التقليدية في إدارة الأزمة داخل غزة، وتكرر الأمر دون نتائج ملموسة، وهو ما ولّد شعور بالغضب لدى الغزيين، وحالة من الاستهجان، وبات مطلبهم أن تترك حماس حكم غزة.
أمام موجة الغضب، لم تقم حماس بإصلاحات جوهرية في هيكلها التنظيمي، يمكنها من كسب ثقة شعب غزة الجريح، بل اعتمدت على الخطابات الثورية، في محاولة لكسب التعاطف، على حساب أرواح المدنيين، الذين يسقطون يوميًا.
ورقة الرهائن
ورغم حجم الكلفة البشرية، تصر حماس على التمسك بحكم غزة، وتفرض شروطًا تُعرقل مساعي وقف إطلاق النار، وكأنها الطرف المنتصر، وتناور بورقة الرهائن، وترفض تقديم تنازلت، قد تمثل خطورة على مستقبلها السياسي، وتدرك «حماس» أن إسرائيل هدفها الأول القضاء على الحركة نهائيًا، لذلك بات المحور الرئيسي لها هو الحفاظ على كيان الحركة، مهما بلغ حجم الكلفة البشرية للمدنيين.
ما يحدث في غزة، هو نتيجة أطماع «حماس» في الحكم، وسوء إدارة الحركة للقطاع، واتخاذ قرار عملية 7 أكتوبر، دون التفكير في حجم العواقب، ما يعكس غياب الأفق السياسي لدى الحركة، وعدم إدراكها للفكر الدبلوماسي، الذي ينبع من الرؤية السياسية، ويتطلب وجود قيادات قادرة على إيجاد حلول غير تقليدية، بعيدًا عن التفكير المطلق بأن السلاح هو الوسيلة الوحيدة لإعادة الحقوق.
أحمد عبد الوهاب