تعكس التصريحات المتباينة للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، إيفي ديفرين، حالة الارتباك والتناقض التي تعيشها القيادة العسكرية الإسرائيلية في ظل تصاعد الضغوط على جبهتين متوازيتين: قطاع غزة وإيران. ففي الوقت الذي يقر فيه المتحدث بإخفاق عسكري مباشر في خان يونس جنوب القطاع، ويحاول إظهار التعاطف مع العائلات الإسرائيلية التي فقدت أبناءها، يسعى في ذات اللحظة إلى تسويق “نجاح استراتيجي” ضد إيران، كنوع من موازنة المشهد إعلاميًا وتوجيه الرأي العام نحو إنجاز خارجي يُخفي الفشل الداخلي.
فشل الاحتلال في غزة
الإقرار بالفشل في كمين خان يونس –وهو أمر نادر في الخطاب العسكري الإسرائيلي– يكشف عن عمق الأزمة الميدانية في قطاع غزة. استخدام عبارات مثل “الصباح الصعب” و”لا يمكن للكلمات أن تصف حجم الوجع” يحمل بُعدًا نفسيًا واضحًا، يهدف لامتصاص غضب الشارع الإسرائيلي الذي بدأ يطرح تساؤلات حادة حول جدوى استمرار العمليات العسكرية في غزة وكلفتها البشرية.
في المقابل، محاولة رفع المعنويات من خلال الحديث عن “ضربة موجعة” للبرنامج النووي الإيراني تمثل نوعًا من الإزاحة النفسية والسياسية عن الواقع القاسي في غزة. إلا أن هذه الرواية تتآكل أمام تسريبات استخباراتية أميركية تقول إن الأثر الحقيقي للضربات كان محدودًا، ولم يحقق أهداف التدمير أو الردع بعيدة المدى التي وعدت بها القيادة السياسية.
تهشيم صورة القوة الإسرائيلية
التناقض الصارخ بين سردية النجاح في إيران وسردية الفشل في غزة، يعكس حالة من التخبط في خطاب المؤسسة العسكرية الإسرائيلية، التي تحاول من جهة الحفاظ على هيبة الردع الإقليمي، ومن جهة أخرى تعجز عن تقديم صورة انتصار على جبهة محلية تمزقها الخسائر اليومية والتكلفة البشرية العالية.
هذه التصريحات تعكس كذلك إشكالية التوازن في خطاب الجيش الإسرائيلي بين الداخل والخارج. ففي الوقت الذي يُراد فيه إقناع الإسرائيليين بأن “العدو الأكبر” (إيران) قد تلقى ضربة قاسية، يبدو أن العدو “الأقرب” (فصائل غزة) لا يزال يوجه ضربات موجعة ومستمرة في الميدان، وهو ما يهدد فعليًا بتهشيم صورة القوة الإسرائيلية التي لطالما رُوّج لها.
إسرائيل في مأزق سياسي واستراتيجي
إن دلالات هذه التصريحات تتجاوز مجرد المواقف الإعلامية، لتكشف عن مأزق سياسي واستراتيجي عميق، تحاول إسرائيل معالجته عبر توزيع الخطاب بين “النجاح الإقليمي” و”الإخفاق المحلي”، دون أن تنجح في إقناع جمهورها، أو استعادة زمام المبادرة في أي من الجبهتين.