في لحظة خاطفة من عنفٍ متكرّر، أسدلت الستارة على حياة الحاجة زهية العبيدي، البالغة من العمر 66 عامًا، التي استشهدت برصاص جنود الاحتلال خلال اقتحام مخيم شعفاط في القدس المحتلة. لم تكن زهية مقاتلة ولا ناشطة سياسية، بل امرأة فلسطينية عادية تحمل على كتفيها تعب الحياة في وطنٍ محتل، انتهى بها المطاف ضحية لرصاصة لم تميز بين شباب وكهولة، بين مدني ومقاوم، بين بيت وأرض.
تصاعد سياسة التهجير
استشهاد زهية ليس حادثًا معزولًا، بل هو جزء من مشهد أكثر اتساعًا يجري يوميًا في الضفة الغربية، حيث تتصاعد سياسة التهجير القسري وهدم المنازل والممتلكات، وكأنها معركة صامتة موازية للإبادة العلنية في قطاع غزة. لم تعد جرافات الاحتلال تميز بين مسكن أو مشتل زراعي أو بئر مياه، فكل ما هو فلسطيني يُعامل كهدف قابل للإزالة، في مشروع إحلالي يسعى إلى تفريغ الأرض من أهلها، وتوسيع المستوطنات على حساب الحقوق التاريخية للشعب الفلسطيني.
عمليات الهدم التي طالت بنايات في القدس وسلفيت وطولكرم وبيت لحم لم تكن مجرد مخالفات بناء كما يدّعي الاحتلال، بل تأتي في سياق سياسي واضح يهدف إلى تقويض الوجود الفلسطيني في مناطق “ج” بالضفة الغربية، وتحويل مساحات شاسعة من الأراضي إلى مناطق عسكرية مغلقة أو بؤر استيطانية توسعية. اللافت في التصعيد الأخير هو ازدياد ظاهرة تحويل البيوت الفلسطينية إلى ثكنات عسكرية ونقاط مراقبة، وهو تطور خطير يعكس توجهًا منهجيًا لتحويل حياة المدنيين إلى جحيم دائم.
كيف يحصل الفلسطينيون على حقوقهم؟
ورغم بشاعة الجرائم، إلا أن قدرة الفلسطينيين على استرداد حقوقهم أو حتى حمايتها تبدو محدودة في ظل غياب عدالة دولية حقيقية. فالقانون الدولي يمنح الفلسطينيين حقوقًا راسخة، منها الحق في السكن، وعدم التهجير، وعدم استهداف المدنيين، لكن هذه الحقوق تبقى نظريًا بلا قيمة عملية في ظل الفيتو الأميركي المتكرر في مجلس الأمن، وشلل المؤسسات الدولية أمام الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة.
الوسائل المتاحة للفلسطينيين اليوم للحصول على حقوقهم باتت محصورة في ثلاث مسارات رئيسية:
أولًا، التوثيق والمساءلة القانونية، من خلال اللجوء إلى محكمة الجنايات الدولية وهيئات الأمم المتحدة، رغم بطء الإجراءات وتسييس العدالة.
ثانيًا، الضغط الشعبي والدبلوماسي من خلال حملات المقاطعة (BDS) والعمل الحقوقي المنظم لكشف الانتهاكات.
وثالثًا، النضال الشعبي السلمي والمقاومة الميدانية التي تعبر عن الرفض الشعبي للتهويد والاستيطان.
إرادة سياسية دولية
لكن هذه الأدوات تبقى محدودة الأثر ما لم تتوافر إرادة سياسية دولية حقيقية لوقف مسلسل القتل والاقتلاع. فمأساة الحاجة زهية، ومئات العائلات التي تُهدم منازلها يوميًا، ليست فقط تذكيرًا بفظاعة الاحتلال، بل اختبار صارخ لضمير العالم، الذي يبدو أنه، حتى الآن، يرسب فيه بصمت قاتل.