يعكس البيان الصادر عن مؤسسات الأسرى في فلسطين، بمناسبة اليوم العالمي لمساندة ضحايا التعذيب، مستوى غير مسبوق من التدهور في واقع الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين في سجون الاحتلال، خصوصًا في أعقاب ما وصفوه بـ”مرحلة ما بعد الإبادة” التي تشكلت بعد تصاعد العدوان على قطاع غزة.
هذا الواقع يسلط الضوء على اتساع وتكريس ممارسة التعذيب كأسلوب منهجي ومؤسسي، يفوق في وحشيته مجرد أدوات “انتزاع الاعترافات”، ليتحول إلى سياسة ثابتة متجذرة في تفاصيل حياة الأسرى اليومية.
جرائم ضد الإنسانية
هذه المرحلة، كما تشير المؤسسات، شمولية وانفلات أدوات التعذيب، من لحظة الاعتقال مرورًا بالتحقيق ووصولًا إلى السجون والمعسكرات، وهو ما يتقاطع مع شهادات حية وثقتها الجهات الحقوقية، تؤكد توظيف أشكال تعذيب جسدي ونفسي متنوعة، بعضها يرقى إلى جرائم ضد الإنسانية. إذ لم يعد الأمر مقتصرًا على أساليب التعذيب “التقليدية”، بل ظهرت أدوات أكثر فظاعة كالبتر دون تخدير، استخدام مواد كيميائية، وصنوف الإذلال الجنسي والاغتصاب.
التحليل الحقوقي لهذا الواقع يبين أن سلطات الاحتلال، بعد 7 أكتوبر، باتت تتحرك بمنطق الإبادة والتجريد الكامل من الإنسانية، وهو ما يتضح في لغة الإفلات من العقاب وغياب المحاسبة الدولية. فالممارسات الموثقة لا تعكس تجاوزات فردية، بل ترتبط بسياق منظم قائم على التحلل من القانون الدولي الإنساني، وتواطؤ أو عجز المنظومة الحقوقية الدولية في ممارسة دورها الرادع.
إسرائيل تتفاخر بالانتهاكات
الأرقام المذكورة، والتي تجاوزت 10,400 معتقل، تعزز هذا التحليل، خصوصًا في ظل وجود أكثر من 3,500 معتقل إداري بلا تهمة أو محاكمة، واحتجاز 2,214 معتقلًا من غزة يصنفهم الاحتلال كمقاتلين غير شرعيين، في مخالفة واضحة لقواعد القانون الدولي الإنساني، الذي يضمن الحماية للمقاتلين والأسرى، ويمنع تعذيبهم أو معاملتهم بطرق غير إنسانية.
البيان يشير إلى أن تجربة المعتقلين في معسكرات مثل “سديه تيمان” و”عوفر” وغيرها تحوّلت إلى تجسيد حي للممارسات التعذيبية الممنهجة، وتؤكد أن ظروف الاحتجاز نفسها أضحت أداة من أدوات التعذيب. ما يجعل الأمر أكثر خطورة هو تحول هذه الانتهاكات إلى سياسة معلنة يتفاخر بها بعض المسؤولين الإسرائيليين، كما في حالة الوزير إيتمار بن غفير، ما يعكس عمق التحريض الرسمي والتشجيع على ارتكاب الفظائع.
الصمت الدولي يساعد الاحتلال
يقود البيان إلى قراءة مركزية مفادها أن الاحتلال الإسرائيلي قد انتقل في سلوكه تجاه الأسرى من مرحلة الانتهاك القانوني إلى مستوى “الجرائم المتواصلة”، التي تضع المنظومة الحقوقية والقانونية الدولية أمام اختبار مصيري.
استمرار الصمت الدولي، وعدم تفعيل آليات العدالة الدولية، خاصة في ضوء فتوى محكمة العدل الدولية حول “عدم قانونية” الاحتلال، يعني مزيدًا من ترسيخ هذه السياسات القمعية، وإضعاف أسس النظام الدولي نفسه.
وبالتالي، فإن هذا التقرير لا يكتفي بتوصيف الانتهاكات، بل يشكل دعوة صريحة لإعادة النظر في تعريف المجتمع الدولي للتعذيب في السياق الفلسطيني، والتعامل مع ما يجري كجريمة حرب وجرائم ضد الإنسانية مستمرة، تستوجب المحاسبة العاجلة لا الإدانة اللفظية فقط.