عاد ملف تطبيع العلاقات بين السعودية وإسرائيل إلى الواجهة من جديد، بعد تصريحات للممثل الخاص للرئيس الأميركي، ستيف ويتكوف، ألمح فيها إلى قرب صدور “إعلان هام” من الإدارة الأميركية بشأن انضمام دول جديدة إلى “الاتفاقيات الإبراهيمية”، وهو ما أثار تكهنات واسعة حول اقتراب لحظة التحاق الرياض بهذا المسار، رغم تعقيدات المشهد الإقليمي.
وجاء تصريح ويتكوف، في حديث لقناة “سي إن بي سي” الأميركية، بعد ساعات من تثبيت وقف إطلاق النار بين إسرائيل وإيران، والذي أنهى تصعيدًا عسكريًا واسعًا، وصفه ويتكوف بأنه “كان يهدد بالتحول إلى حرب لا نهاية لها”. وفي ظل هذه التهدئة الإقليمية المؤقتة، تتحرك الدبلوماسية الأميركية بهدوء لإحياء مشروع التطبيع الذي بدأ في عهد الرئيس السابق دونالد ترامب.
مؤشرات من واشنطن: السعودية ليست بعيدة
تصريحات ويتكوف تأتي في سياق سلسلة إشارات دبلوماسية من الجانب الأميركي تؤكد أن الدفع باتجاه توسيع رقعة “اتفاقيات أبراهام” ما زال هدفًا استراتيجيًا، لا سيما مع انخراط السعودية في حوار مستمر – غير معلن رسميًا – مع واشنطن وتل أبيب منذ سنوات بشأن مستقبل علاقاتها مع إسرائيل.
وكان السفير الإسرائيلي لدى الولايات المتحدة، يحيئيل ليتر، قد أدلى بتصريحات مماثلة أواخر مايو الماضي، أكد فيها أن السعودية “لم تكن بعيدة المنال” عن التطبيع في عام 2019، وأن استمرارية حكم ترامب لربما كانت كفيلة بتحقيق “اتفاق شامل” معها. ليتر أوضح أيضًا أن العلاقات بين الطرفين “لا تزال على مسار التطبيع”، وإن اعترضته عقبات مرتبطة بتداعيات الحرب في غزة.
مفاجأة محتملة: سوريا ولبنان قبل الرياض؟
في مفارقة لافتة، ذهب ليتر إلى أبعد من ذلك حين تحدث عن إمكانية أن تسبق سوريا ولبنان المملكة العربية السعودية في مسار التطبيع، مستشهدًا بتغيرات وصفها بـ”الجذرية” في النموذج الإقليمي، ومشيدًا بما وصفه بـ”الانفتاح المتنامي” في بعض دوائر القرار في دمشق وبيروت.
ورغم أن مثل هذا الطرح لا يزال بعيدًا منطقياً نظرًا للواقع السياسي والعداء المعلن من الجانبين السوري واللبناني تجاه إسرائيل، إلا أن ليتر أصر على تفاؤله بإمكانية حدوث تسوية، قد تكون تحت عباءة عربية أوسع، خاصة مع عودة الحديث عن “صفقات كبرى” قد تُطرح بعد الحرب.
السعودية بين الرغبة في الاستقرار واعتبارات الداخل
من جهة أخرى، تواجه السعودية توازنًا دقيقًا بين سعيها لتعزيز مكانتها كقوة إقليمية براغماتية ومنفتحة على الغرب، وبين مراعاتها لاعتبارات داخلية ودينية وشعبية لا تزال ترفض فكرة التطبيع، خاصة في ظل استمرار العدوان الإسرائيلي على غزة والجمود السياسي في القضية الفلسطينية.
الرياض، التي خطت خطوات تطبيعية غير مباشرة في مجالات اقتصادية وتقنية وأمنية محدودة، تدرك أن أي إعلان رسمي للانضمام إلى اتفاقيات أبراهام سيكون خطوة تاريخية لا رجعة فيها، تتطلب حزمة متكاملة من الضمانات الأميركية والإسرائيلية، خاصة فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، والملف النووي الإيراني، ودور السعودية في الإقليم كطرف راعٍ للتسويات.
ما بعد وقف إطلاق النار: نافذة سياسية أم لحظة مؤقتة؟
تقديرات دبلوماسية، ومنها ما نُقل عن مصادر مصرية، تشير إلى أن وقف إطلاق النار بين إيران وإسرائيل قد يفتح نافذة سياسية قصيرة تسمح بإنعاش مسار التطبيع في المنطقة، مستفيدًا من حالة الإنهاك التي أصابت الأطراف المتصارعة. ويبدو أن الإدارة الأميركية تسعى لاستغلال هذه اللحظة لإحراز “إنجاز دبلوماسي” قبل انطلاق الموسم الانتخابي الرئاسي في 2026.
مع ذلك، تظل الحرب المستمرة في غزة عائقًا مركزيًا أمام أي تطبيع سعودي، إذ يصعب تبرير خطوة بهذا الحجم في وقت تتساقط فيه الضحايا الفلسطينيين، ويستمر الحصار المفروض على القطاع.
هل اقتربت لحظة الرياض؟
بين التلميحات الأميركية، والتفاؤل الإسرائيلي، والصمت السعودي الرسمي، يبدو أن السعودية تراقب المشهد عن كثب، وتنتظر اللحظة السياسية المناسبة للمضي في التطبيع – إن قررت ذلك. ورغم أن الظروف الإقليمية تبدو أكثر مرونة من السابق، إلا أن أي اتفاق سعودي-إسرائيلي سيكون مختلفًا جذريًا عن الاتفاقات السابقة، لما للسعودية من رمزية دينية وثقل سياسي في العالم الإسلامي.
يبقى إعلان واشنطن المرتقب عاملًا حاسمًا في رسم معالم المرحلة المقبلة، سواء كان يشمل الرياض أو يمهد لاحقًا لتطبيع مشروط، تحت مظلة أميركية ودعم خليجي صامت.