كشفت تصريحات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن احتمال فتح مسار دبلوماسي جديد للحرب الروسية الأوكرانية، يتمحور حول وساطة تركية تجمع الرئيسين الأميركي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين على طاولة محادثات سلام محتملة في تركيا. هذا الإعلان، الذي جاء عقب لقاء أردوغان بترامب على هامش قمة حلف شمال الأطلسي، يسلّط الضوء على رغبة أنقرة في استعادة دور الوسيط المحوري في أزمة تهدد بتكريس الانقسام الاستراتيجي بين الشرق والغرب.
ترامب مستعد للقاء بوتين بشرط
في تصريحات أدلى بها للصحافيين خلال رحلة العودة من قمة الناتو، أوضح أردوغان أن الرئيس الأميركي أبدى استعداده للمشاركة في محادثات السلام شرط موافقة بوتين على الحضور. وبحسب ما نقله مكتب الرئاسة التركية، قال ترامب صراحة: “إذا جاء الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى إسطنبول أو أنقرة لإيجاد حل، فسأحضر أنا أيضاً”. هذا الموقف يمثل تحولًا لافتًا في نهج واشنطن، التي تبنّت خلال الأشهر الماضية خطابًا أكثر تصلبًا تجاه موسكو، ويدلّ على استعداد إدارة ترامب الثانية للعودة إلى منطق الصفقات والمفاوضات المباشرة، ولو من بوابة حليفة إقليمية مثل تركيا.
تركيا تروّج لدورها كجسر بين الشرق والغرب
محاولة أنقرة إعادة إحياء وساطة بين موسكو وكييف ليست جديدة، لكنها اكتسبت زخمًا متجددًا مع عودة ترامب إلى البيت الأبيض، وفي ظل فتور المساعي الأوروبية لعقد تسوية شاملة. تركيا، التي حافظت على علاقات متوازنة مع طرفي النزاع، ترى في هذا الدور فرصة استراتيجية لتثبيت موقعها كقوة إقليمية قادرة على التأثير في مسار الصراعات الكبرى، خصوصًا بعد نجاحها سابقًا في التوسط بشأن صفقة الحبوب.
لكن الطريق نحو محادثات ثلاثية لا يزال محفوفًا بالعقبات، وأبرزها الشروط الروسية المسبقة وموقف حلف الناتو من أي تقارب بين ترامب وبوتين خارج الإطار الجماعي الغربي.
الموقف الروسي: حياد أوكرانيا شرط لا نقاش فيه
بالتزامن مع مبادرة أردوغان، جدّدت موسكو موقفها الرافض لأي تسوية لا تتضمن ضمانات مكتوبة بعدم انضمام أوكرانيا إلى حلف الناتو. فقد صرّح نائب وزير الخارجية الروسي ميخائيل غالوزين أن حياد أوكرانيا يشكل حجر الأساس لأي اتفاق محتمل، مؤكداً أن روسيا “ترفض استخدام أوكرانيا كمنصة لإلحاق هزيمة استراتيجية بها”، في إشارة واضحة إلى قناعة الكرملين بأن الغرب يسعى إلى استنزاف موسكو من خلال الحرب بالوكالة.
غالوزين، في حديث لصحيفة “إزفيستيا”، أعاد التأكيد على أن موسكو تعتبر توسع الناتو شرقًا خرقًا للتفاهمات التي أُبرمت مع الاتحاد السوفييتي في مطلع التسعينيات، مشددًا على أن الموقف الروسي لم يتغير رغم محاولات الغرب تصويره كتصعيد أو تشدد غير مبرر.
عقبات أمام المبادرة واحتمالات مفتوحة
رغم الجدية الظاهرة في التصريحات، تبقى فرص انعقاد لقاء ترامب ـ بوتين في تركيا رهينة عدة معطيات، أبرزها استعداد روسيا لتقديم تنازلات دبلوماسية، وقدرة ترامب على فرض نهج تفاوضي جديد داخل المعسكر الغربي، الذي لا يزال يراهن على استنزاف روسيا ميدانيًا قبل الدخول في مفاوضات سياسية.
المشهد الراهن يعكس لحظة اختبار جديدة للعلاقات الدولية، إذ تتقاطع المبادرات الشخصية مع صراعات النفوذ، في وقت تبحث فيه أطراف متعددة عن تسوية تحفظ ماء الوجه، وتجنب الانزلاق نحو مواجهة مفتوحة بلا أفق.