تكشف المعطيات الواردة من قطاع غزة، وآخرها مقتل 16 شخصاً منذ فجر اليوم في هجمات إسرائيلية، عن نمط متواصل من استهداف المدنيين، لاسيما أثناء محاولاتهم الحصول على المساعدات الإنسانية. هذا السياق لا يمكن فصله عن المأساة الأكبر المتمثلة في حصار شامل، وانهيار المنظومة الإنسانية، واستمرار القصف منذ بداية الحرب، ما جعل كل محاولة للبقاء على قيد الحياة محفوفة بالمخاطر.
من بين أخطر ما يرد في التقارير، ما أشار إليه تقرير صحيفة «هآرتس» الإسرائيلية، والذي تحدث عن أوامر مباشرة بإطلاق النار على الفلسطينيين عند اقترابهم من نقاط توزيع الإغاثة. وعلى الرغم من النفي الرسمي الصادر عن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع يسرائيل كاتس، ووصفهم التقرير بأنه «كاذب وخبيث»، فإن عدد الضحايا الكبير الذين قُتلوا أثناء محاولاتهم الوصول إلى الغذاء، والذين تجاوزوا 500 شخص بحسب وزارة الصحة في غزة، يعزز من مصداقية هذه الادعاءات، أو على الأقل يُظهر وجود إشكاليات جوهرية في قواعد الاشتباك الميداني وتعامل الجيش الإسرائيلي مع المدنيين.
خرق القانون الدولي الإنساني
استهداف المدنيين أثناء تلقي المساعدات لا يعد فقط انتهاكاً للأعراف الأخلاقية، بل أيضاً خرقاً واضحاً للقانون الدولي الإنساني، وتحديداً لاتفاقيات جنيف، التي تنص على حماية السكان المدنيين وتيسير وصول المساعدات إليهم في أوقات الحرب. منع الغذاء والدواء عن المدنيين أو تعريضهم للخطر أثناء تلقيه، يُعد شكلاً من أشكال العقاب الجماعي، وهو أمر يُجرّم في القانون الدولي.
الأرقام التي أوردتها وزارة الصحة الفلسطينية ـ والتي تتحدث عن أكثر من 56 ألف قتيل، و132 ألف جريح، بينهم نسبة مرتفعة من النساء والأطفال، إضافة إلى 11 ألف مفقود ـ تقدم صورة قاتمة عن حجم الكارثة. ويمثل التركيز الكبير للضحايا في فئة المدنيين مؤشراً حاسماً على أن القصف لم يعد يستهدف فقط البنية التحتية العسكرية أو المقاتلين، بل يمتد إلى مراكز الحياة اليومية، بما في ذلك مخيمات النزوح ومراكز الإغاثة.
هشاشة الوضع الميداني
الأزمة الإنسانية المتفاقمة في غزة، في ظل النقص الحاد في الغذاء والدواء، وعدم كفاية الاستجابة الدولية، تعزز من هشاشة الوضع الميداني وتضاعف من معاناة السكان، الذين باتوا يواجهون الموت جوعاً أو قصفاً، دون خيارات واقعية للنجاة. وحتى المبادرات مثل “مؤسسة غزة الإنسانية”، التي أنشئت مؤخراً لتوزيع المساعدات، تواجه صعوبات كبيرة في العمل، بسبب استهداف مباشر أو غير مباشر لنقاط التوزيع.
الخطير في هذا السياق ليس فقط عدد الضحايا، بل في المنهجية التي يظهر أنها باتت تتكرر، وكأنها سياسة أمر واقع، وهو ما يتطلب تدخلاً دولياً عاجلاً، ليس فقط لوقف إطلاق النار، بل لفتح تحقيقات مستقلة وشفافة حول طبيعة العمليات العسكرية في غزة، مع التركيز على حماية المدنيين وتسهيل وصول المساعدات، بما يتوافق مع الالتزامات الدولية القانونية والإنسانية.
حماية أرواح الأبرياء
خلاصة القول، إن استهداف المدنيين أثناء تلقي المساعدات في غزة يمثل مؤشراً مروّعاً على تدهور الحالة الإنسانية إلى أدنى مستوياتها، وعلى انزلاق العمليات العسكرية إلى مساحات تتجاوز الأهداف العسكرية المشروعة، ما يستدعي تحركاً حاسماً من المجتمع الدولي لحماية أرواح الأبرياء ووقف تدهور الوضع نحو كارثة لا يمكن تدارك آثارها.