نفت مجموعة “القوات الشعبية – وحدة مكافحة الإرهاب” مسؤوليتها عن أي هجوم استهدف مستشفى ناصر الطبي في مدينة خان يونس، وذلك بعد يومين من الاشتباكات المسلحة التي دارت في محيط المستشفى، وأثارت مخاوف بشأن تحول المرافق المدنية إلى ساحات صراع داخلي.
البيان الذي أصدرته المجموعة، بقيادة ياسر أبو الشباب، جاء كرد مباشر على تقارير محلية ربطت بين عناصرها وتبادل النيران قرب المستشفى، الذي يُعد من أبرز المرافق الصحية في جنوب القطاع. وقالت المجموعة إنها “لم تنفذ أي هجوم على أي مرفق طبي أو مستشفى في أي مرحلة من عملياتها”، في محاولة واضحة لنفي أي اتهام قد يُضعف شرعيتها الشعبية أو يعرضها لمساءلة ميدانية.
تراجع تكتيكي أم ارتباك في الرسائل؟
النفي الرسمي يأتي بعد أيام من نشر المجموعة بيانًا على صفحتها الرسمية في “فيسبوك”، أعلنت فيه اعتقال عدد من عناصر “حماس” والتحقيق معهم، قبل أن تسارع لاحقًا إلى حذف المنشور، في خطوة بدت للكثيرين مؤشرًا على ارتباك داخلي أو مراجعة تكتيكية لتفادي تصعيد أكبر مع الحركة المسيطرة على القطاع.
البيان المحذوف تضمن لهجة تحدٍّ مباشرة، ووصفًا للعمليات بأنها جزء من “تنظيف المنطقة من التسلط”، ما أوحى بنوايا تصعيدية تفوق مجرد مواجهة ظرفية. لكن التراجع السريع ألقى الضوء على هشاشة المشهد الأمني وعلى مدى حساسية التصريحات العلنية، خاصة حين تتعلق بحماس.
اتهامات متبادلة وسياق متشظٍ
تصريحات نائب قائد المجموعة، غسان الدهيني، قبل أيام عن استهداف عناصر من حماس في إحدى النقاط جنوب القطاع، مدعومة بصور لمركبات محترقة قال إنها تعود للمستهدفين، تعزز الانطباع بأن الاشتباكات لم تكن معزولة أو عفوية، بل نابعة من تصدع داخلي آخذ بالاتساع، بين تنظيمات ترى نفسها فاعلة أمنياً وبين سلطة الأمر الواقع التي تعتبر أي سلاح خارجها تهديدًا مباشرًا.
حماس، التي لم تصدر تعليقًا رسميًا على هذه الحوادث حتى الآن، تجد نفسها في موقف حرج: بين رغبتها في الحفاظ على هيبة السيطرة داخل القطاع، وخشيتها من أن يؤدي ردها إلى إذكاء مزيد من الفوضى في منطقة شهدت منذ بداية الحرب الإسرائيلية تصدعات ميدانية متكررة، وتضاربًا في سلطات القرار بين السياسي والعسكري.
حماية المنشآت المدنية تحت الاختبار
الاشتباكات قرب مستشفى ناصر تعيد فتح ملف الحماية القانونية للمرافق الطبية خلال النزاعات الداخلية، في وقت تتعرض فيه غزة أصلًا لحصار خانق وقصف متكرر، ما يجعل استهداف المستشفيات – أو حتى اشتباكًا على مقربة منها – جريمة مزدوجة في نظر القانون الدولي، وأمرًا بالغ الحساسية بالنسبة للرأي العام الفلسطيني.
وفي ظل تكرار الحوادث التي تدور داخل محيط المنشآت الحيوية، تبرز خشية متنامية من أن تتحول هذه المواقع إلى “نقاط اشتباك رمزية”، تستخدمها الفصائل لإرسال رسائل سياسية أو استعراض نفوذ، وهو ما يهدد بتقويض ما تبقى من المساحات الآمنة في قطاع محاصر ومثقل بالدمار.
ما بعد الإنكار… إلى أين يتجه الجنوب الغزي؟
النفي الصادر عن “القوات الشعبية” قد ينجح مرحليًا في تجنب التصعيد، لكنه لا يلغي واقع التوتر الآخذ في التبلور جنوب القطاع، في ظل تعدد القوى المسلحة، وتضارب الأجندات، وتآكل سلطة الضبط المركزي.
كما أن التراجع عن نشر بيان الاعتقال، ثم الإعلان عن حوادث أخرى بصور ومعلومات ميدانية، يكشف عن صراع داخل أطر “الرسالة الإعلامية” للفصيل ذاته، بما يعكس تحديات التنسيق والانضباط، في مشهد تغيب فيه المرجعية الموحدة، وتتنازع فيه الجماعات على شرعية الوجود وأحقية القرار.
أمام هذا الوضع، تبدو معادلة الجنوب الغزي مرشحة لمزيد من التعقيد، حيث تتداخل الحسابات المحلية مع تداعيات الحرب الإسرائيلية، ويغدو كل اشتباك داخلي نذيرًا بانفلات أكبر، يصعب على أي طرف – حتى لو كان بحجم حماس – احتواؤه منفردًا.