كشفت صحيفة “واشنطن بوست”، أن الضربات الأميركية الأخيرة ضد المواقع النووية الإيرانية استُخدمت فيها قوة نيران هائلة، شملت قنابل خارقة للتحصينات وصواريخ كروز من طراز “توماهوك”، واستهدفت منشآت فوردو ونطنز وأصفهان.
وتُجمع التحليلات على حجم الأضرار الكبير، لكن مدى الدمار والمدة المطلوبة لإعادة البناء ما زالا موضع خلاف بين الخبراء.
طهران تنفي التهديد وتؤكد استمرار التخصيب
وفي رد رسمي، نفى السفير الإيراني في الأمم المتحدة أمير سعيد إيرواني توجيه أي تهديدات للوكالة الدولية للطاقة الذرية، رغم دعوات بعض الصحف الإيرانية المتشددة لإعدام مديرها رافائيل غروسي.
وأكد إيرواني أن مفتشي الوكالة ما زالوا داخل إيران في “ظروف آمنة”، لكنه أقر بتعليق دخولهم للمواقع النووية، مشددًا على أن “تخصيب اليورانيوم لن يتوقف أبدًا”.
تشكيك في رواية ترامب: حرب نفسية؟
رئيس البرلمان الإيراني محمد باقر قاليباف وصف تصريحات الرئيس الأميركي دونالد ترامب ضد إيران، بأنها “جزء من حرب نفسية” أو “تصريحات سخيفة لا معنى لها”، متهماً واشنطن بإثارة الذعر لزعزعة الداخل الإيراني، متسائلًا: “كيف تبدأ الحرب بينما كنا في قلب مفاوضات؟”.
أما مستشار المرشد الإيراني علي لاريجاني، فاتهم الولايات المتحدة بالخداع، قائلاً إن التفاوض كان غطاءً لهجوم منسّق مع إسرائيل، هدفه النهائي “تقسيم إيران”.
طهران تتهم وتستعدّ للحرب منذ سبتمبر
كشف النائب الأول للرئيس الإيراني محمد رضا عارف، أن الهجوم الإسرائيلي على إسماعيل هنية في طهران كان “إعلان بدء الحرب”، وأن الحكومة أعدت منذ سبتمبر 2024 ميزانية حرب سرية، واستبقت الهجوم بتخزين سلع أساسية وتوقعت توقّف صادرات النفط.
فوردو في قلب العاصفة
من جانبه، صرح الرئيس الأميركي دونالد ترامب بأن إيران فشلت في نقل اليورانيوم المخصب من منشأة فوردو قبل تدميرها بالكامل، مشيرًا إلى أن قنابل خارقة دمّرت المنشأة، التي أصبحت “كهوفًا من الصخور”. لكن مصادر إيرانية ردت بأن معظم اليورانيوم عالي التخصيب تم نقله إلى مكان سري قبل الضربة.
وبين تأكيدات واشنطن بدمار المنشآت النووية ونفي طهران وادعائها بأنها كانت مستعدة مسبقًا، تظل الحقيقة غائبة وسط صراع الروايات، بينما يترقب المجتمع الدولي ما إذا كانت هذه الضربات بداية لحرب مفتوحة، أم حلقة في صراع طويل تتجدد فصوله تحت الأرض وفوق الطاولة.
الوكالة الذرية تلتزم الصمت وتنتظر التوضيحات
ورغم الجدل المتصاعد، التزمت الوكالة الدولية للطاقة الذرية الصمت حيال التقارير المتداولة حول تعرض منشآتها لضربات مباشرة، واكتفت بتأكيد استمرار وجود مفتشيها في إيران، دون الإفصاح عن طبيعة الأنشطة التي يقومون بها أو حالة المواقع المستهدفة. وتنتظر الوكالة توضيحات من الطرفين حول مدى التزام إيران باتفاق الضمانات، ومدى تأثر البرنامج النووي بهذه التطورات.
قلق دولي من تصعيد غير محسوب
أما الدول الأوروبية، وعلى رأسها فرنسا وألمانيا، فعبرت عن قلقها من التصعيد الأخير، داعية إلى ضبط النفس والعودة للمفاوضات.
وأشار مسؤولون أوروبيون إلى أن استهداف المنشآت النووية يمثل سابقة خطيرة قد تُعقّد جهود منع الانتشار النووي، وتزيد من احتمالات المواجهة المباشرة بين طهران وواشنطن في منطقة تشتعل أصلاً بأزمات متلاحقة.
وفي داخل إيران، لوحظ تصاعد في النبرة الإعلامية الرسمية التي تروّج لرواية “العدوان الأميركي الإسرائيلي”، مع بث متكرر لمقاطع تظهر الدمار وتؤكد استعداد الجيش الإيراني للرد. في المقابل، خرجت تظاهرات محدودة في بعض المدن الكبرى تطالب بالتهدئة وتجنب الدخول في حرب شاملة، في مشهد يعكس انقسامًا حذرًا في الشارع الإيراني.
خبراء: البرنامج النووي سيتأثر ولكن لن يتوقف
ويرى محللون أن الضربات الأميركية وجهت “ضربة موجعة” للبرنامج النووي الإيراني، لكنهم لا يتوقعون توقفه بالكامل. ويؤكدون أن لدى إيران خبرات وكوادر فنية تستطيع إعادة تشغيل معظم المنشآت خلال أشهر، إلا أن استهداف مواقع حساسة تحت الأرض مثل فوردو سيعقّد عملية الترميم.
ويرجّح البعض أن طهران ستسرّع من أنشطتها النووية كرد فعل، مما قد يعيد سيناريوهات ما قبل الاتفاق النووي لعام 2015.