بدأت السلطات المحلية في محافظة أبين، الواقعة ضمن مناطق نفوذ الحكومة اليمنية المعترف بها دوليًا، إجراءات إعادة فتح طريق عقبة ثرة الجبلية، التي تربط المحافظة بجارتها البيضاء، وذلك بعد عشر سنوات من الإغلاق، وسط آمال بأن تسهم الخطوة في تخفيف المعاناة الإنسانية وإنعاش الحركة الاقتصادية بين شمال اليمن وجنوبه.
وأكدت اللجنة الأمنية في أبين، برئاسة المحافظ أبو بكر حسين سالم، أن فتح الطريق سيتم “لدواعٍ إنسانية”، مشيرة إلى أن أعمال الصيانة والتأهيل ستبدأ خلال الأيام القليلة المقبلة، بناءً على تقرير فني أعدّه مدير عام الأشغال العامة والطرق في المحافظة.
شريان حيوي بين الشمال والجنوب
تُعد طريق عقبة ثرة من أهم الطرق الاستراتيجية التي تربط شمال اليمن بجنوبه، ويمثل إغلاقها منذ قرابة عقد عبئًا كبيرًا على المسافرين، خاصة على خط صنعاء – حضرموت، حيث اضطر المواطنون إلى استخدام طرق بديلة أطول وأكثر وعورة وتكلفة.
وبحسب ما نشره موقع “أبين الآن”، فقد دعا الاجتماع الأمني إلى تنسيق مباشر مع جماعة “أنصار الله” (الحوثيين) من أجل رفع التمركز العسكري، وإزالة الألغام من جانبهم، أو السماح لصندوق صيانة الطرق بالتدخل، مع الالتزام بإبلاغ الجانب الحكومي عند استكمال جهوزية الطريق.
وفي السياق ذاته، أوكلت اللجنة الأمنية مهمة متابعة الصيانة والتأهيل إلى كل من مدير الأشغال العامة وصندوق صيانة الطرق، بهدف استكمال الخطوات العملية التي تسبق فتح الطريق رسميًا.
تزامن لافت مع تحركات مماثلة
وتأتي هذه التطورات بعد أسابيع قليلة من إعادة فتح طريق صنعاء – عدن عبر محافظة الضالع، المغلق منذ عام 2017، في مؤشر على تحرّك أوسع لفتح الطرقات التي فُرضت عليها قيود مشددة بسبب الصراع المستمر في اليمن منذ أكثر من 11 عامًا.
ويرى مراقبون أن هذه الخطوة تتجاوز البعد الإنساني، لتلامس أبعادًا سياسية واقتصادية، خاصة مع توقف الرحلات الجوية التجارية عبر مطار صنعاء، إثر استهداف الطائرات التي كانت تعمل فيه، وسط تصاعد العدوان الإسرائيلي في المنطقة، وتأثر ميناء الحديدة أيضًا نتيجة الغارات المتكررة منذ يوليو/تموز 2024.
وبحسب تقارير محلية، فإن إعادة فتح الطريق تعني تسهيل وصول الشحنات التجارية من ميناء عدن إلى صنعاء ومناطق شمال البلاد، وهو ما قد يعزز النشاط الاقتصادي مجددًا في مدن كانت شبه معزولة خلال سنوات الإغلاق.
تنسيق مع الحوثيين وحراك شعبي
وكان محافظ أبين قد التقى ممثلين عن مبادرة “الرايات البيضاء” خلال يونيو/حزيران، حيث أكد خلال الاجتماع الاستعداد لإعادة فتح الطريق وتسهيل عبور المواطنين، مشيرًا إلى وجود تنسيق مع الجانب الحوثي من أجل إزالة العقبات اللوجستية والفنية.
كما صرّح رئيس المبادرة، عمر محمد الضيعة، عبر “فيسبوك”، أنهم تلقوا تأكيدات إيجابية من السلطات المحلية بشأن الصيانة، بناءً على تقرير هندسي يؤكد حاجة الطريق إلى إصلاحات قبل فتحها.
في المقابل، تقول جماعة الحوثي إن الطرق الواقعة تحت سيطرتها مفتوحة، وتحمّل الحكومة مسؤولية التأخير في فتحها فعليًا، متهمة إياها باستخدام ملف الطرق كورقة ضغط سياسي.
طريق مختصرة وآمال موسعة
ووفقًا لتصريحات رئيس تحرير صحيفة “عدن الغد”، فإن طريق عقبة ثرة، في حال إعادة فتحها، ستختصر على المسافرين وقتًا يُقدَّر بـ13 ساعة على الأقل، وهو ما يُخفف من العناء الذي يواجهه الآلاف في تنقلاتهم اليومية بين مدن البلاد.
وقد تسببت الحرب في إغلاق معظم الطرق الرئيسية بين الشمال والجنوب، لا سيما تلك التي تربط صنعاء بعدن، ضمن ما وصفه مراقبون بـ”الحصار الداخلي”، الذي عمّق من مشكلات التنقل، ورفع من كلفة المعيشة، وفاقم الأعباء الاقتصادية والإنسانية على المواطنين.
الطرق… من ملفات الحرب إلى أدوات السلام المؤجل
ورغم إقرار أطراف النزاع في جولات تفاوض سابقة على ضرورة فتح الطرق المغلقة، إلا أن التنفيذ على الأرض ظلّ معلقًا على شروط ميدانية وسياسية، في ظل استمرار حالة اللاحرب واللاسلم التي تحكم المشهد اليمني.
ويرى محللون أن ملف الطرق لا يقل تعقيدًا عن ملفات الحرب الأخرى، نظرًا لتقاطعه مع قضايا السيادة، وتقسيم مناطق النفوذ، والحسابات الأمنية، بل وحتى الهويات السياسية المفروضة على الأرض بفعل المعارك المستمرة منذ سنوات.
ومع ذلك، يبقى الأمل قائمًا بأن تؤدي مبادرات فتح الطرق، ولو بشكل جزئي، إلى تخفيف معاناة اليمنيين، وفتح نوافذ أوسع أمام جهود السلام، حتى وإن كانت هذه الخطوات، حتى الآن، تفتقر إلى الضمانات والاستمرارية.