تعيش إسرائيل حالة من التوتر الداخلي المتزايد مع تصاعد غضب عائلات الأسرى المحتجزين لدى حركة «حماس»، والذين يرون في استمرار الحرب على غزة عائقًا حقيقيًا أمام استعادة ذويهم. هذا الغضب، الذي بدأ بمطالبات واحتجاجات ميدانية، تحوّل الآن إلى هجوم مباشر على القيادة السياسية، لا سيما رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، الذي يُتهم من قِبل هذه العائلات بتقديم مصالحه السياسية والشخصية على قضية الأسرى، والتضحية بمصيرهم لصالح بقائه في الحكم.
صفقة تبادل أسرى
أحدث فصول هذا الغضب انفجر مع تدخل الرئيس الأميركي السابق دونالد ترمب، الذي عبّر صراحة عن رغبته في وقف محاكمة نتنياهو، معتبرًا أن هذه الإجراءات القضائية تعرقل التوصل إلى صفقة تبادل أسرى قد تفضي إلى إنهاء الحرب. هذا الموقف فُسّر من قبل عائلات المحتجزين كاصطفاف أميركي سافر إلى جانب نتنياهو، على حساب أبنائهم المختطفين، الذين يعيشون في ظروف غير معلومة في قطاع غزة منذ شهور.
البيان الصادر عن منتدى العائلات لم يكن مجرد تصريح احتجاجي، بل اتسم بنبرة تصعيدية واضحة، حيث اعتبر أن إدارة ترمب «تفضّل إنقاذ نتنياهو من محاكمته على إنقاذ الرهائن». هذه اللغة تكشف عن انفجار في الثقة، ليس فقط تجاه الحكومة الإسرائيلية، بل حتى تجاه حلفاء تقليديين كواشنطن، ما يعكس شعورًا متزايدًا لدى الجمهور الإسرائيلي بأن القضايا الإنسانية باتت رهينة لحسابات شخصية معقدة، داخلية وخارجية.
لعبة تأجيل محاكمة نتنياهو
الاحتجاجات التي شهدتها تل أبيب، وإبراز وسائل الإعلام لمواقف العائلات، أسهمت في إحداث ضغط اجتماعي واضح على حكومة نتنياهو، التي لطالما استخدمت خطاب استعادة الأسرى كذريعة لتبرير استمرار العمليات العسكرية في غزة. لكن هذا الخطاب لم يعد مقنعًا، في ظل غياب أي تقدم ملموس على الأرض، وغياب الشفافية بشأن مصير هؤلاء الأسرى، ما أدى إلى تنامي القناعة بأن الحكومة تماطل أو تتهرب من تحمل مسؤوليتها.
داخل الساحة السياسية، تزايدت الانتقادات من شخصيات معارضة وكتاب بارزين يرون أن قضية الأسرى باتت جزءًا من لعبة تأجيل محاكمة نتنياهو، الذي يسعى لإطالة أمد الحرب وفرض واقع سياسي يعفيه من المثول أمام القضاء. هذا الطرح أصبح يتردد بقوة في الأوساط السياسية والإعلامية الإسرائيلية، ويثير تساؤلات جدية حول الأولويات الحقيقية للحكومة.
في هذا السياق، أبدى خبراء قانونيون وأكاديميون انفتاحًا على فكرة إبرام صفقة إقرار بالذنب مع نتنياهو، كمدخل لتصفية الملفات القضائية، بما يسمح بإعادة ترتيب الأولويات الوطنية، وفي مقدمتها تحرير الأسرى، وترميم الثقة داخل المجتمع الإسرائيلي، المنقسم بحدة منذ اندلاع الحرب.
قضية الأسرى ورقة ضغط
في المقابل، لم تقدّم الحكومة الإسرائيلية حتى اللحظة خطة واضحة أو جدولًا زمنيًا لأي صفقة محتملة، مما يعمّق الإحباط لدى العائلات، ويزيد من الشكوك حول جدية الحكومة في التعامل مع الملف. أما استمرار الحرب دون أفق سياسي، فيجعل من قضية الأسرى ورقة ضغط في يد الفصائل الفلسطينية، ويطيل أمد معاناتهم، ويحوّلها إلى مأساة مفتوحة لا تملك العائلات سوى الاحتجاج عليها في الساحات.
الغضب الداخلي الإسرائيلي اليوم لم يعد مقصورًا على المسار الإنساني، بل بدأ يشكّل خطرًا سياسيًا حقيقيًا على تماسك حكومة نتنياهو، ويهدد بإعادة خلط الأوراق على أكثر من صعيد، خاصة مع تنامي الشعور العام بأن الحرب في غزة لم تحقق أهدافها المعلنة، بل خلقت أزمة داخلية إضافية، عنوانها: الأسرى بين الشعارات والسياسة.