زيارة رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو المرتقبة إلى العاصمة الأميركية واشنطن للقاء الرئيس دونالد ترمب تمثل لحظة سياسية محورية في سياق الحرب الدائرة في قطاع غزة، كما في مسار التوازنات الإقليمية والدولية. فهذه الزيارة لا تأتي فقط في إطار العلاقة التقليدية بين إسرائيل والإدارة الأميركية، بل في لحظة تتقاطع فيها الحسابات العسكرية، والسياسية، والدبلوماسية، داخل إسرائيل وخارجها، وتطرح أسئلة دقيقة حول مستقبل الحرب في غزة، والملف النووي الإيراني، والتطورات في سوريا، ومصير اتفاقيات السلام في المنطقة.
حشد الدعم الأميركي
الدلالات الأساسية لهذه الزيارة تتجاوز طابعها البروتوكولي، لتكشف عن مساعٍ واضحة من جانب نتنياهو لاستثمار ما يسميه بـ”النجاحات” العسكرية التي حققتها إسرائيل في الأشهر الأخيرة، سواء ضد حركة حماس، أو في المواجهات غير المعلنة مع إيران، أو حتى على الساحة السورية. ويبدو أن رئيس الوزراء الإسرائيلي يحاول حشد الدعم الأميركي لترسيخ هذه المكاسب سياسيًا، سواء بتمرير اتفاق وقف إطلاق نار بشروط تلائم إسرائيل، أو برسم ملامح المرحلة المقبلة من العلاقة مع إيران.
اللافت أن الزيارة تأتي في ظل خلافات داخلية حادة في إسرائيل حول جدوى استمرار الحرب في غزة. إذ يُشير الاجتماع الأخير للمجلس الأمني والسياسي المصغّر إلى انقسام واضح بين المؤسسة العسكرية التي تُحذر من المخاطر على حياة الرهائن، وتدعو إلى الحذر والتدرج، وبين وزراء من اليمين المتطرف، مثل سموتريتش وبن غفير، الذين يدفعون نحو حسم عسكري شامل، ولو على حساب الرهائن أو الكلفة الإنسانية العالية.
الضغط على قطر
في هذا الإطار، يُفهم أن نتنياهو يسعى إلى الخروج من هذا المأزق الداخلي بالاستناد إلى المظلة الأميركية، وخصوصًا عبر الرئيس ترمب، الذي عاد إلى البيت الأبيض مع أجندة شرق أوسطية مختلفة، تسعى إلى “إغلاق ملفات عالقة”، لا سيما في غزة، لتحقيق إنجازات دبلوماسية تُقدَّم للرأي العام الأميركي كنجاحات في السياسة الخارجية. ومن هنا، تُصبح واشنطن ليست فقط موقع تنسيق عسكري، بل ساحة قرار بشأن مستقبل الحرب.
الأهمية الاستثنائية للزيارة أيضًا تنبع من أن الملفات المطروحة تتقاطع في لحظة إقليمية حساسة. فالمفاوضات بشأن غزة لا تنفصل عن المعادلة الأوسع مع إيران، التي وافقت مؤخرًا على وقف إطلاق النار، وسط مؤشرات على رغبة أميركية واضحة في تهدئة الجبهة الجنوبية لإسرائيل واحتواء التوتر. وقد دفع ذلك البيت الأبيض إلى الضغط على قطر للتأثير على حماس، في محاولة لتسريع اتفاق يشمل وقف القتال، وإطلاق سراح الرهائن، مقابل ضمانات إسرائيلية بالتهدئة.
كذلك، فإن الحضور الموسع في لقاءات نتنياهو – سواء من البيت الأبيض أو من مجلسي الشيوخ والنواب – يشير إلى أن إسرائيل تسعى إلى تثبيت موقف أميركي موحّد، يضمن استمرار الدعم المالي والسياسي، لا سيما مع تنامي الانتقادات الدولية لما يجري في غزة، وضغوط بعض الأوساط الأميركية لربط الدعم العسكري بمدى التزام إسرائيل بالقانون الإنساني.
تأمين الغطاء السياسي
من جهة أخرى، يحمل اللقاء مع ترمب بعدًا رمزيًا مهمًا لنتنياهو داخليًا، إذ يُظهِر نفسه كزعيم على اتصال مباشر مع أقوى حلفاء إسرائيل، ويُعيد طرح نفسه في موقع اللاعب الدولي القادر على التأثير في السياسات الكبرى. وهذا يعزز مكانته أمام خصومه في الداخل، سواء في المعارضة أو حتى ضمن حكومته، الذين بدأ بعضهم يشكك في جدوى استمرار الحرب.
زيارة نتنياهو إلى واشنطن لا تقتصر على أهداف تكتيكية مرتبطة بالحرب في غزة، بل تمثل لحظة استراتيجية لإعادة ضبط مسار العلاقة مع الولايات المتحدة، وتأمين الغطاء السياسي اللازم لأي قرار مصيري قد يصدر خلال الأيام المقبلة. وهي زيارة قد ترسم، بالتنسيق مع ترمب، الخطوط العريضة لما بعد الحرب: من مصير غزة إلى طبيعة العلاقة مع إيران، مرورًا بإمكانية استئناف مسار التطبيع الإقليمي، بما يخدم مصالح إسرائيل في ظل مشهد شرق أوسطي متحول.