تتزايد المؤشرات في الأيام الأخيرة على أن ضغط الشارع الإسرائيلي، لا سيما من عائلات الرهائن والمجتمع المدني، بات عاملاً حاسمًا في صياغة مواقف الحكومة تجاه هدنة محتملة في قطاع غزة. فقد باتت التظاهرات والنداءات المتكررة للمطالبة بإبرام صفقة تبادل أسرى واستعادة الرهائن، واحدة من أبرز معالم المشهد السياسي الداخلي في إسرائيل، وهو ما انعكس بوضوح في التصريحات الأخيرة لوزير الخارجية جدعون ساعر، الذي دعا علنًا إلى عدم تفويت “فرصة تحرير الرهائن”، معتبرًا أن غالبية الشعب والحكومة تدعم هذا التوجه.
استعادة الأسرى بالقوة
هذا التحول في نبرة ساعر، المعروف بمواقفه الأمنية الصلبة، يعكس تصاعد الضغط الشعبي، لا سيما بعد ما يقرب من عام على احتجاز الرهائن، ومع تعثّر الأهداف المعلنة للحرب، وفشلها في إنهاء وجود حركة حماس، أو استعادة الأسرى بالقوة العسكرية. كما أن التوقيت اللافت لتصريحاته، عشيّة لقاء مرتقب بين رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو والرئيس الأميركي دونالد ترمب، يشير إلى تناغم مدروس مع المزاج العام، ومحاولة لتقديم خطاب أكثر واقعية وسط تصاعد الأصوات المنتقدة لاستمرار العمليات في غزة.
الشارع الإسرائيلي لم يعد موحدًا خلف أهداف الحرب. فبينما لا تزال قطاعات متشددة تدفع نحو الحسم العسكري، فإن أوساطًا متنامية من المجتمع المدني، خصوصًا عائلات الرهائن، باتت تعتبر أن الوقت قد حان لاستخدام القناة الدبلوماسية، وتقديم تنازلات، طالما أن أرواح أحبائهم على المحك. هذه المطالبات لم تعد محصورة في فعاليات احتجاجية فحسب، بل وجدت طريقها إلى الإعلام، والكنيست، وحتى داخل الأحزاب الممثلة في الحكومة.
ضغط الشارع الإسرائيلي ورقة مزدوجة
الرئيس ترمب، الذي يستعد لاستقبال نتنياهو في واشنطن، بدا وكأنه يلتقط هذا التحوّل الشعبي، فصرّح بوضوح أنه سيكون “حازمًا” مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بشأن إنهاء الحرب، وأن ثمة اتفاقًا يلوح في الأفق الأسبوع المقبل. هذه اللغة تؤكد أن واشنطن باتت تتعامل مع ملف غزة من زاوية إنسانية وسياسية، حيث أصبح استرداد الرهائن أولوية مشتركة بين الشارع الإسرائيلي والإدارة الأميركية، حتى لو لم تكن تتطابق تمامًا في تفاصيلها مع أولويات نتنياهو أو بعض أعضاء حكومته.
في هذا السياق، قد يُستخدم ضغط الشارع الإسرائيلي كورقة مزدوجة. فمن جهة، يُتيح لنتنياهو تبرير أي تراجع عن خطابه المتشدد، بصفته “استجابة لرغبة الجمهور”، ومن جهة أخرى، يمكن للوسطاء الدوليين، خصوصًا واشنطن والقاهرة، استثماره لدفع إسرائيل نحو قبول تسوية جزئية تُفضي إلى هدنة مؤقتة، وتبادل رهائن، وتأجيل القضايا الأكثر تعقيدًا لمرحلة لاحقة.
تزايد الأصوات المؤيدة للتهدئة
الخطر الوحيد أمام هذا المسار هو أن يُستخدم ضغط الشارع تكتيكًا ظرفيًا دون أن ينعكس فعليًا في القرار السياسي، خاصة إذا رأى نتنياهو أن أي تنازل الآن قد يُضعف موقعه داخليًا. إلا أن المؤشرات حتى الآن تُظهر أن تزايد الأصوات المؤيدة للتهدئة – سواء من الحكومة أو من العائلات أو من الشارع العام – تجعل من الصعب تجاهل هذا الاتجاه، وتزيد من احتمالية أن تشهد الأيام المقبلة اختراقًا ملموسًا باتجاه هدنة مدتها 60 يومًا، كما يتم الحديث عنها، تكون مدخلًا لتسوية أكبر لاحقًا.