بينما لا تزال قضية الجولان تمثل حجر الزاوية في موقف كل من سوريا وإسرائيل، تتجه المحادثات بين الطرفين نحو مسارات أمنية واقتصادية بديلة، وسط رعاية أميركية حذرة وتنسيق عبر قنوات متعددة، من دون أن تلوح في الأفق ملامح اتفاق سلام نهائي أو تطبيع رسمي.
سلام لا يشبه اتفاقات أبراهام
المفاوضات الجارية حاليًا بين تل أبيب ودمشق، وفق ما تم تسريبه في إسرائيل، لا تسعى إلى إعادة فتح سفارات أو تنظيم زيارات رسمية، بل تتركز حول ترتيبات أمنية مشتركة، تشمل حدودًا آمنة، وضمانات إسرائيلية على بقاء مستوطنات الجولان في مأمن، في مقابل دور سوري فعّال في التصدي للوجود الإيراني وفصائل مثل “حزب الله”، و”حماس”، و”الجهاد الإسلامي”.
وتكشف المعلومات المتداولة أن صيغة الاتفاق المطروحة لا تتطلب اعترافًا سياسيًا متبادلاً، بل تضع الأولوية لما تصفه إسرائيل بـ”الحقائق الميدانية الجديدة”، وتضمن لها تعاونًا استخباريًا مع دمشق، في ما يشبه نسخة محدثة من اتفاق فصل القوات لعام 1974، لا أكثر.
الجولان: العقدة التي لم تُحل
ما زال مصير الجولان يمثل العقبة الأبرز، حيث تتمسك إسرائيل باعتراف رسمي من دمشق بسيادتها على الهضبة التي تعدها “كنزًا استراتيجيًا”، بينما تشترط سوريا أي اتفاق بانسحاب إسرائيلي كامل. ووفق تقييمات استخبارية نقلتها مصادر إسرائيلية، فإن الرئيس السوري أحمد الشرع لا يبدو مستعدًا لقبول تسوية تتجاهل المطالب السيادية لبلاده، وهو ما يضع سقفًا صارمًا لأي اتفاق محتمل في المستقبل القريب.
أربعة مسارات سرية
تتم المحادثات عبر أربع قنوات بإشراف إسرائيلي مباشر. الأولى يقودها تساحي هنغبي، رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي، والثانية تحت إشراف رئيس الموساد ديفيد برنياع، بينما تشمل الثالثة وزير الخارجية جدعون ساعر، الذي صرح علنًا بأن أي اتفاق يجب أن يتضمن اعترافًا بسيادة إسرائيل على الجولان.
أما القناة الرابعة فتديرها جهات أمنية سورية وضباط من الجيش الإسرائيلي. وتشير المعطيات إلى أن الاتصالات مستمرة بوتيرة حذرة، وأن الطرفين، رغم التباينات، لم يغادرا الطاولة بعد.
الدور الأميركي في خلفية المشهد
تلعب الولايات المتحدة دورًا غير مباشر لكنه حاسم في هذه المحادثات، حيث تسعى إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترامب إلى بلورة اتفاق مرحلي بين الطرفين يُنظر إليه كنجاح دبلوماسي يضاف إلى رصيدها، لا سيما في ظل حالة الجمود في ملفات الشرق الأوسط الأخرى.
ومن المتوقع أن يُطرح الاتفاق المزمع للنقاش خلال اللقاء المرتقب بين ترامب ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، وسط ترجيحات بأن تصدر تصريحات مفاجئة حول اختراق في هذا المسار.
من الحدود إلى الاستخبارات
يركّز الجانب الإسرائيلي على وضع ترتيبات أمنية جديدة في الجنوب السوري تضمن انسحاب 3 آلاف عنصر من حركتي “حماس” و”الجهاد الإسلامي” من دمشق، في مقابل انسحاب إسرائيلي تدريجي من مناطق كانت قد سيطرت عليها بعد سقوط النظام السابق.
ويذهب المحلل الإسرائيلي إيهود يعاري إلى القول إن جوهر الاتفاق يرتكز على تنسيق أمني واستخباري مشترك، يهدف إلى تحجيم النفوذ الإيراني ومنع تموضع “حزب الله” في الجنوب السوري. كما أشار إلى نقاشات غير معلنة حول إعادة تعريف مزارع شبعا باعتبارها “أرضًا سورية” لا لبنانية، وهو ما من شأنه نزع مبررات الحزب التي استند إليها طيلة العقدين الماضيين.
هل تقترب لحظة الحسم؟
رغم أن التفاهمات لم تترجم إلى اتفاق مكتمل، إلا أن الأجواء السائدة توحي بتحول نوعي في الموقف السوري، إذ لم تعد دمشق تنسحب أو تعترض عند طرح الملفات الأمنية الحساسة، وهو ما اعتبرته إسرائيل “مؤشرًا إيجابيًا”.
لكن الطريق نحو اتفاق شامل لا يزال محفوفًا بعقبات سياسية وشعبية على الجانبين. فغياب التمثيل الدبلوماسي، وتجاهل ملف الجولان، وغياب موقف عربي موحد، كلها عناصر تترك التسوية على الطاولة… ولكن بلا ضامن لنهايتها.