بينما تواصل إدارة الرئيس الأميركي دونالد ترمب دفع مشروع قانون ضخم لخفض الضرائب وزيادة الإنفاق، خرج الملياردير إيلون ماسك بتصريحات تصعيدية توعد فيها بتأسيس حزب سياسي جديد ينافس الحزبين الجمهوري والديمقراطي، مهدداً بقلب الطاولة على المشهد السياسي الأميركي برمّته.
ورغم أن واشنطن اعتادت على انتقادات ماسك، فإن توقيت التهديد هذه المرة، وتزامنه مع إقرار مشروع قانون مثير للجدل في مجلس الشيوخ، منح الخطوة بعداً سياسياً غير مسبوق، ما يثير تساؤلات جدية حول مدى واقعية هذا التهديد، ومدى قدرة أغنى رجل في العالم على دخول معترك الحزب الثالث في نظام سياسي ثنائي يحتكر المشهد منذ أكثر من قرن.
تحدٍ مفتوح للحزب الجمهوري
خلال سلسلة منشورات شاركها على منصته “إكس”، هاجم ماسك مشروع القانون الذي أقره مجلس الشيوخ بفارق صوت واحد، متوعداً بدعم المرشحين المناهضين للجمهوريين الذين صوتوا لصالح القانون في الانتخابات التمهيدية المقبلة.
وأعاد ماسك إحياء فكرة “حزب أميركا”، مقترحاً أنه سيكون صوتاً للطبقة الوسطى المغيبة، ومؤكداً أن نظام الحزبين فشل في تمثيلها. لكن رغم الحماسة الرقمية، لم يقدم أي تصور تفصيلي بشأن المبادئ العامة أو السياسات المحددة التي قد يتبناها الحزب الجديد.
علاقة متوترة مع ترمب
كانت علاقة ماسك بالرئيس ترمب تمر بفصول متباينة. فبعد أن كان من أكبر مموليه في حملة 2024، بما يزيد عن 200 مليون دولار، تحول ماسك في الأسابيع الأخيرة إلى أحد أبرز منتقديه. ترمب لم يتأخر في الرد، ملمحًا إلى إمكانية ترحيله أو فتح ملفات قديمة تتعلق بوضعه كمهاجر.
وفيما حاول ترمب استخدام لهجة المزاح حين تحدث عن “الوحش الإداري” الذي قد يلتهم ماسك، كان واضحًا أن القطيعة باتت علنية، وأن الحرب السياسية بين الحليفين السابقين قد دخلت طورًا جديدًا.
هل تنجح مغامرة الحزب الثالث؟
تاريخ السياسة الأميركية لا يبشر بالكثير من النجاح للأحزاب البديلة. فمحاولات كسر الثنائية الحزبية غالباً ما انتهت إلى الهامش، بفعل التعقيدات القانونية، وصعوبة جمع التبرعات، والعجز عن اختراق مراكز النفوذ في الولايات.
حتى الآن، لا توجد إشارات عملية على بدء ماسك تشكيل بنية تنظيمية، أو الشروع في تسجيل حزب رسمي. كما لم تُظهر استطلاعات الرأي حماساً كاسحاً لشخصه كمنافس سياسي لترمب، حيث حصل على 8% فقط في مقارنة مباشرة، بينما أظهر 52% من المشاركين رفضهم لكليهما.
جمهور ناقم ونظام مأزوم
مع ذلك، لا يمكن تجاهل أن المزاج الشعبي في الولايات المتحدة يشهد تحولاً لافتاً. فثلثا الأميركيين يعتقدون أن البلاد تسير في الاتجاه الخاطئ، ونحو نصفهم يصنفون أنفسهم كـ”مستقلين”، غير منتمين لأي من الحزبين الكبيرين.
وبينما يقول البعض إن “الحزب الثالث” مجرد وهم ليبرالي، يرى آخرون أنه ضرورة لتصحيح نظام سياسي بات يتسم بالجمود والانقسام. وماسك، وإن كان لا يزال بعيدًا عن بلورة مشروع سياسي ناضج، فإنه يعكس هذا التململ العام من المشهد التقليدي.
ماسك بين النوايا والحقائق
في النهاية، لا تزال فكرة “حزب أميركا” معلقة بين التهديد والتجريب. قد تكون محاولة ضغط جديدة لانتزاع تنازلات من الجمهوريين، أو مجرد رد فعل غاضب على مشروع قانون مثير للجدل. لكن ما هو مؤكد أن إيلون ماسك بات رقماً يصعب تجاهله في معادلة السياسة الأميركية، سواء خاض اللعبة أو اكتفى بالتلويح بدخوله.