الأوضاع في غزة تشهد تصعيدًا خطيرًا وغير مسبوق في استخدام القوة العسكرية، يتجلى ذلك في استخدام أسلحة شديدة التدمير في مناطق مكتظة بالمدنيين، كما في حالة قصف مقهى شاطئي باستخدام قنبلة من طراز “MK-82” تزن 230 كيلوجرامًا. هذا النوع من الذخائر، المصمم لضرب أهداف عسكرية كبيرة، بات يُستخدم في بيئات مدنية مغلقة، ما يرفع بشكل مأساوي من حجم الخسائر في صفوف المدنيين، خاصة الأطفال والنساء وكبار السن، كما حدث في هذا الهجوم الذي أسفر عن مقتل ما بين 24 و36 شخصًا، إلى جانب إصابة العشرات.
فتح تحقيق دولي
التحليل القانوني الدولي لما جرى يؤكد أن هذا الهجوم يمكن أن يُصنّف ضمن جرائم الحرب، نظرًا لاستخدام سلاح فتاك رغم المعرفة المسبقة بوجود عدد كبير من المدنيين غير المحميين في الموقع. اتفاقيات جنيف، التي تشكّل حجر الأساس للقانون الدولي الإنساني، تنص بوضوح على ضرورة التمييز بين الأهداف العسكرية والمدنية، وتحظر أي هجوم تكون فيه الخسائر الجانبية في الأرواح أو الممتلكات المدنية مفرطة وغير متناسبة مع المكاسب العسكرية المرجوة. في هذه الحالة، لم يتم حتى تحديد الهدف العسكري من قبل الجيش الإسرائيلي، ما يثير أسئلة جوهرية حول شرعية الضربة وتخطيطها.
إضافة إلى ذلك، فإن التأكيد على استخدام المراقبة الجوية يدحض أي مبرر محتمل حول “الخطأ في التقدير” أو “الجهل بوجود مدنيين”، بل يشير إلى وعي مسبق بأن المكان كان مكتظًا، ومع ذلك تم تنفيذ الهجوم. هذا ما وصفه جيري سيمبسون من منظمة حقوقية دولية بأنه “هجوم غير قانوني، وغير متناسب، وعشوائي”، داعيًا إلى فتح تحقيق دولي لمحاسبة المسؤولين.
مسؤولية المجتمع الدولي
هذه الحادثة، التي ليست معزولة عن السياق العام للعمليات في غزة، تضع المجتمع الدولي أمام مسؤولية متزايدة، ليس فقط في وقف دوامة العنف، وإنما أيضًا في تطبيق العدالة ومحاسبة مرتكبي الجرائم، بما في ذلك من يزوّدون هذه الأسلحة أو يتغاضون عن استخدامها في بيئات مدنية. استمرار مثل هذه الأنماط من الهجمات يعزز الشعور بالعجز والظلم بين السكان المدنيين، ويزيد من التدهور الإنساني، ويقوّض أي أفق لحل سياسي أو تهدئة مستقبلية.
الوضع في غزة اليوم بات يتعدى نطاق العمليات العسكرية التقليدية، ويتحوّل إلى أزمة إنسانية حادة تمس جوهر القانون الدولي والنظام الأخلاقي العالمي. إن تجاهل ما يجري، أو الاكتفاء بالتنديد اللفظي، يفتح الباب أمام تكرار الكارثة ويفقد المجتمع الدولي ما تبقى من مصداقيته أمام ضحايا لا يزالون يُدفنون تحت الأنقاض.