تصريحات وزير العدل الإسرائيلي التي دعا فيها إلى ضم الضفة الغربية تمثل تصعيدًا خطيرًا يكشف بوضوح عن تحول متزايد في نهج الحكومة الإسرائيلية تجاه الأراضي الفلسطينية المحتلة، من الاحتلال العسكري إلى محاولة شرعنة الضم الكامل. هذه التصريحات لا يمكن فصلها عن السياق السياسي والأيديولوجي الذي تسيطر عليه التيارات اليمينية المتطرفة داخل الحكومة الإسرائيلية، وهي تعكس نوايا واضحة نحو تقويض أي مسار سياسي يقوم على حل الدولتين أو التفاوض.
فرض واقع الاحتلال
إدانة الأمين العام لجامعة الدول العربية، أحمد أبو الغيط، لهذه التصريحات ووصفه لها بـ”الخطيرة وغير المسؤولة” هو تعبير عن إدراك عربي متزايد بأن المرحلة الحالية تشهد تحولات استراتيجية في السياسة الإسرائيلية، تهدف إلى فرض واقع دائم من الاحتلال والتوسع، تحت غطاء الوضع الأمني المتأزم والصراعات المتصاعدة في غزة. فاستغلال إسرائيل لهذه الظروف لترويج مشاريع الضم هو ما وصفه أبو الغيط بـ”الاستغلال المرفوض”، ما يعني أن التصريحات لا تعكس فقط رأيًا فرديًا، بل تشكّل جزءًا من سياسة مدروسة لتغيير الواقع على الأرض قبل أي استحقاق سياسي دولي.
ما يزيد من خطورة هذه التصريحات هو أنها صدرت عن وزير العدل، أي المسؤول المباشر عن النظام القانوني في إسرائيل، ما يضفي عليها طابعًا مؤسساتيًا ورسميًا، ويشير إلى أن فكرة الضم لم تعد مجرد طرح هامشي، بل تحوّلت إلى خيار مطروح داخل صلب الدولة. هذا يعطي انطباعًا بأن إسرائيل باتت تتعامل مع الضفة الغربية كـ”ملك خاص”، غير عابئة بالقانون الدولي الذي يصفها بوضوح بأنها “أرض محتلة”، ولا بقرارات الأمم المتحدة التي تؤكد على عدم شرعية أي تغيير ديمغرافي أو قانوني في الأراضي المحتلة.
تفريغ الأراضي الفلسطينية
الحديث عن ضم الضفة الغربية لا يمكن فصله كذلك عن المشروع الأوسع لتفريغ الأراضي الفلسطينية من مضمونها الوطني والسياسي، وتحويلها إلى مناطق معزولة تخضع لحكم عسكري أو إداري إسرائيلي دائم. هذا ينسف الأسس التي قامت عليها العملية السلمية منذ اتفاق أوسلو، ويقطع الطريق تمامًا على أي احتمال لحل الدولتين، مما ينذر بدوامة جديدة من العنف والاضطراب السياسي والأمني.
في هذا السياق، يأتي تحذير أبو الغيط من أن “نهج القوة سيقود إلى دوامة لا تنتهي من العنف” بمثابة قراءة واقعية للمستقبل القريب، إذا استمرت إسرائيل في تجاهل المجتمع الدولي ومواصلة سياسات الضم والاستيطان. فهذه السياسة لا تؤدي فقط إلى تصعيد التوتر في الداخل الفلسطيني، بل تهدد بانفجار إقليمي أوسع، نتيجة إصرار إسرائيل على فرض حلول أحادية الجانب تتناقض كليًا مع الحقوق الفلسطينية والشرعية الدولية.
تصفية القضية الفلسطينية
الصمت الدولي المتواصل، كما أشار أبو الغيط، يمثل عنصرًا مشجعًا للتيارات المتطرفة في إسرائيل، ويمنحها شعورًا بالإفلات من العقاب. وهو ما يدفع إلى ضرورة تحرك سياسي حقيقي من قبل القوى الدولية والإقليمية، ليس فقط بالإدانة اللفظية، بل باتخاذ إجراءات ملموسة لوقف التوسع الاستيطاني، وحماية ما تبقى من فرص لتسوية عادلة.
هذه التصريحات الإسرائيلية تعكس تحولًا خطيرًا من الاحتلال العسكري المؤقت إلى مشروع استعماري دائم، يهدد بتصفية القضية الفلسطينية من أساسها، ويستوجب ردًا سياسيًا وجماهيريًا ودوليًا واسعًا، قبل أن تتحول هذه التصريحات إلى واقع فعلي على الأرض لا رجعة فيه.