تعكس تصريحات وزير الأمن القومي الإسرائيلي إيتمار بن غفير، الداعية إلى احتلال قطاع غزة بالكامل ورفض أي صفقة تبادل أسرى أو تهدئة، منحىً تصعيدياً خطيراً يكشف عن توجه أيديولوجي لا يكتفي برفض الحلول السياسية، بل يدعو صراحة إلى تنفيذ سياسات ترحيل وتهجير جماعي، وهو ما يضع إسرائيل، مجدداً، أمام خيار صدام مباشر مع القانون الدولي والضمير الإنساني.
بن غفير، في دعوته إلى احتلال غزة و”تشجيع الهجرة”، لا يتحدث عن عملية عسكرية محددة الأهداف، بل يعبّر عن مشروع استعماري متكامل يسعى إلى اقتلاع السكان وإعادة فرض السيطرة الاستيطانية، ما يعيد إلى الأذهان خطاب اليمين المتطرف في أسوأ فتراته. وهذه التصريحات لم تعد مجرد مواقف فردية معزولة، بل تتلاقى مع خط سياسي أوسع يتبناه شركاؤه في الائتلاف الحكومي، مثل وزير المالية بتسلئيل سموتريتش، ما يعكس استعداداً داخل أوساط الحكم الإسرائيلية لتبنّي هذا الخيار عملياً.
فرض شروط متطرفة
خطورة هذه التصريحات تتضاعف في ظل حساسية اللحظة الراهنة، حيث تشير التسريبات الدبلوماسية إلى إمكانية حدوث تقدم في مسار صفقة تبادل الأسرى ووقف إطلاق النار، كما أوضح وزير الطاقة إيلي كوهين، الذي أقر بوجود “نضج سياسي” وظروف مواتية يمكن البناء عليها. ومن هذا المنظور، فإن تصريحات بن غفير تمثل محاولة مكشوفة لإفشال أي مسار تفاوضي، عبر فرض شروط متطرفة تحوّل الجهد السياسي إلى مأزق، وتنسف فرص وقف القتال.
ويكشف التباين بين تصريحات كوهين وبن غفير عن انقسام داخلي متزايد في المؤسسة الإسرائيلية، بين تيار يرى أن استمرار الحرب مكلف ومفتوح على احتمالات لا يمكن السيطرة عليها، وآخر يتعامل مع الصراع بوصفه فرصة “لا تتكرر” – كما قال بن غفير – لتحقيق أهداف أيديولوجية راديكالية، ولو على حساب المدنيين وعلى أنقاض القانون الدولي.
استخفاف بحياة الأسرى الإسرائيليين
الأخطر في خطاب بن غفير هو استدعاؤه لمعادلة أمنية تستند إلى تخويف الجمهور الإسرائيلي من أن أبناءهم سيعانون إذا لم يتم إسقاط حماس. هذا الخطاب ليس فقط تعبئة انتخابية بل تحريض مباشر على حرب شاملة لا تعترف بالتمييز بين الفصائل والسكان، وتبرر أي عدوان تحت غطاء “الوقاية” أو “الردع”. كما أن رفضه لصفقة التبادل واعتبارها “متهورة” يكشف عن استخفاف صارخ بحياة الأسرى الإسرائيليين، واستخدامهم كورقة سياسية ضمن بازار المزايدات الداخلية.
وتأتي هذه التصريحات في وقت تعلن فيه حركة “حماس” عن دراستها مقترحات الوسطاء لوقف الحرب، ما يفتح الباب أمام اختراق محتمل في جدار الجمود، ويفرض على كل الأطراف التعامل بقدر من المسؤولية السياسية والإنسانية. لكن في المقابل، فإن أصواتاً مثل بن غفير وسموتريتش تعمل على تدمير أي فرصة للحل، بل تروّج لرؤية تقوم على الإبادة الرمزية والفيزيائية لسكان القطاع.
فشل المنظومة السياسية الإسرائيلية
هذا المشهد يضع المجتمع الدولي أمام تحدٍّ مباشر: فإما أن يتم احتواء هذه الأصوات المتطرفة قبل أن تتحوّل إلى سياسات رسمية، وإما أن تدخل المنطقة مرحلة من العنف المفتوح الذي لن يقتصر على غزة وحدها، بل سيمتد ليقوّض الاستقرار الإقليمي برمّته. كما تفرض تصريحات كهذه مسؤولية خاصة على الأطراف الراعية لأي مفاوضات، لفرض خطوط حمراء حقيقية تمنع إسرائيل من تحويل الصراع إلى مشروع تطهير جماعي متكامل.
دعوة بن غفير لاحتلال غزة وتهجير سكانها ليست فقط رفضاً لحلول آنية، بل إعلان صريح لفشل المنظومة السياسية الإسرائيلية في تقديم أي رؤية سوى العنف والسيطرة. وهو ما يجعل من الضروري التعامل مع هذه التصريحات، لا بوصفها خطاباً متطرفاً فحسب، بل كإشارة مبكرة إلى نوايا قد تقلب المشهد بأكمله في حال تم غضّ الطرف عنها.