في خطوة لافتة تعكس تطوراً في العلاقات العربية – العربية، بحث وزير الخارجية المصري بدر عبد العاطي مع نظيره السوري أسعد الشيباني، خلال اتصال هاتفي، التطورات المحتملة على الساحة السورية بعد القرار الأميركي المفاجئ برفع العقوبات الاقتصادية عن دمشق.
الجانبان استعرضا خلال الاتصال، الذي أُجري مساء الأربعاء، الأوضاع السياسية والأمنية في سوريا، وناقشا فرص استثمار هذه المرحلة الجديدة لتحقيق استقرار حقيقي في البلاد بعد سنوات من الحرب والتدهور الاقتصادي.
رفع العقوبات.. نقطة تحوّل؟
كان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد وقّع في مايو الماضي أمراً تنفيذياً ينهي بموجبه العقوبات الأميركية المفروضة على سوريا، في خطوة مفاجئة قال إنها تهدف إلى «إنهاء عزلة سوريا عن النظام المالي العالمي»، ودعم جهود إعادة الإعمار بعد عقد من الحرب الأهلية.
القرار أثار تفاعلات واسعة، داخلياً وخارجياً، حيث اعتبره مراقبون بمثابة ضوء أخضر لإعادة دمج دمشق تدريجياً في الساحة الدولية، وفتح أبواب التمويل والاستثمارات أمام عملية إعادة البناء المتعثرة.
دعم مصري لسيادة سوريا ووحدتها
وزير الخارجية المصري، في بيانه الرسمي، أعاد التأكيد على موقف القاهرة الثابت من القضية السورية، مشدداً على دعم مصر لتسوية سياسية شاملة، تقودها دمشق وتعبّر عن الإرادة الوطنية الخالصة، بعيداً عن أي تدخلات خارجية.
كما دان عبد العاطي الانتهاكات الإسرائيلية المتكررة للسيادة السورية، مؤكداً ضرورة احترام وحدة وسلامة الأراضي السورية، ومطالباً بأن تكون سوريا «مصدر استقرار في المنطقة» لا ساحة صراع إقليمي أو دولي.
التحديات ما بعد العقوبات
رغم أن رفع العقوبات الأميركية يمثل انفراجة سياسية، فإن سوريا لا تزال تواجه تحديات ضخمة على المستويين الاقتصادي والمعيشي، أبرزها:
انهيار البنية التحتية: تدمير واسع في المدن والمنشآت الحيوية، من طرق ومستشفيات ومدارس.
أزمة العملة والتضخم: الليرة السورية ما زالت تعاني من ضعف شديد أمام العملات الأجنبية.
هروب الاستثمارات: سنوات من العقوبات والفساد أضعفت ثقة المستثمرين المحليين والأجانب.
ضعف المؤسسات الرسمية: تأثر الأداء الحكومي بسبب الحرب والعقوبات المستمرة منذ أكثر من عقد.
وبالتالي، فإن التحسن الحقيقي مرهون بخطوات إصلاحية داخلية عميقة، ودعم إقليمي ودولي يتجاوز الشعارات.
هل تفتح الدول العربية الباب أمام دمشق؟
الاتصال المصري – السوري يعكس وجود رغبة سياسية لدى بعض الدول العربية في استعادة سوريا لمكانتها الطبيعية ضمن المنظومة العربية، لا سيما بعد عودتها الرسمية إلى جامعة الدول العربية العام الماضي.
وتشير مصادر دبلوماسية إلى أن هناك مشاورات خلف الكواليس بين عدد من العواصم العربية لتنسيق خطط إعادة الإعمار، وضمان عدم تحوّل سوريا إلى ساحة نفوذ لأطراف غير عربية.
سوريا بين وعود الإعمار وواقع ما بعد الحرب
مع انتهاء العقوبات، تبدأ دمشق رحلة جديدة محفوفة بالرهانات. فهل تنجح الحكومة السورية في اجتذاب الاستثمارات الأجنبية والعربية؟ وهل ستتمكن من تقديم ضمانات كافية لبيئة اقتصادية مستقرة وآمنة؟
ما زال كثير من المانحين الدوليين يشترطون تغييرات سياسية وإصلاحات هيكلية قبل ضخ الأموال في الاقتصاد السوري، مما يعقّد الطريق نحو إعادة الإعمار الكاملة.
تحركات القاهرة في هذا الملف تعكس إدراكاً متزايداً بأن استقرار سوريا شرط أساسي لاستقرار المنطقة بأكملها، وأن بقاء دمشق في حالة عزلة دولية سيستمر في خلق فراغات خطرة تستغلها قوى إقليمية منافسة.
وقد تكون مصر من أوائل الدول التي تفتح قنوات دعم وتعاون اقتصادي تدريجي مع سوريا، خاصة في ملفات الطاقة وإعادة البناء، وهو ما يتطلب تنسيقاً أمنياً وسياسياً مستمراً.
نحو مشهد جديد؟
بين الحذر والتفاؤل، يقف السوريون اليوم على مفترق طرق: فرفع العقوبات ليس نهاية الطريق، بل بدايته. وإذا ما توافرت الإرادة السياسية، والشفافية، والدعم العربي والدولي، قد تدخل سوريا فعلاً مرحلة جديدة تتجاوز فيها سنوات الحرب والانقسام.
لكنّ مراقبين يحذرون من أن أي تأخر في الإصلاحات أو إخفاق في المصالحة الداخلية قد يبدّد هذه الفرصة التاريخية. فهل تكتب سوريا فصلاً جديداً من التعافي، أم أن العقوبات كانت مجرد فصل في أزمة لم تنتهِ بعد؟