في خضم أجواء متوترة ووسط تحذيرات غربية متصاعدة، خرج وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، ليؤكد أن بلاده لا تزال ملتزمة بمعاهدة حظر الانتشار النووي (NPT) واتفاق الضمانات مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية. إلا أن تصريحات عراقجي، التي بثها على منصة “إكس”، لم تُخفِ حقيقة أن طهران تمضي قدماً في تعليق تعاونها مع الوكالة الدولية، وهو قرار تم تحويله بالفعل إلى قانون ملزم.
رسائل متناقضة من طهران
على الرغم من تأكيد التزام إيران بالمعاهدات الدولية، إلا أن القرار الرسمي الذي وقّعه الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان بتعليق التعاون مع الوكالة الذرية يثير تساؤلات جدية حول نوايا طهران المستقبلية.
وقد أكد هادي طحان نظيف، المتحدث باسم مجلس صيانة الدستور، أن القرار نُفّذ بالفعل وتم التصديق عليه برلمانيا ودستورياً، موضحاً أن استئناف التعاون مرتبط بتأمين سلامة العلماء والمنشآت النووية، وهو ما سيقرره المجلس الأعلى للأمن القومي فقط.
أوروبا تلوّح بالعقوبات
في المقابل، حذرت الدول الأوروبية الموقعة على الاتفاق النووي، وعلى رأسها فرنسا وألمانيا وبريطانيا، من أن صبرها على وشك النفاد.
وأعلن وزير الخارجية الفرنسي، جان-نويل بارو، أن أوروبا مستعدة لتفعيل “آلية الزناد”، وهي الخطوة التي ستؤدي إلى إعادة فرض حزمة العقوبات الدولية على إيران، والتي كانت قد رُفعت بموجب الاتفاق النووي في 2015.
بارو قال بوضوح: “يكفي أن نرسل رسالة رسمية واحدة لإعادة العقوبات على الأسلحة، والقطاع المصرفي، ومعدات الطاقة النووية”.
إسرائيل تزيد الضغط
وفي وقت تتصاعد فيه التوترات في المنطقة، دعت إسرائيل إلى تحرك دولي عاجل، مطالبة بتفعيل آلية الزناد فوراً وقطع كل أشكال التعاون مع طهران، ووصفت الحكومة الألمانية الموقف الإيراني بأنه “رسالة كارثية” تهدد الاستقرار في الشرق الأوسط.
الأخطر من ذلك، هو تهديد إيران العلني بالانسحاب من معاهدة حظر الانتشار النووي إذا استمرت الضغوط الغربية، وهو ما اعتبره مراقبون تصعيداً خطيراً قد يؤدي إلى انهيار كامل في منظومة الضمانات الدولية الخاصة بالملف النووي الإيراني. ولا يُخفى أن إسرائيل، التي ترفض الانضمام إلى المعاهدة ذاتها، تنظر بقلق بالغ لأي تطور من هذا النوع.
البنتاغون: “برنامج إيران تأخر لعامين”
من جهته، أشار البنتاغون الأميركي إلى أن الغارات الجوية الأخيرة على منشآت إيرانية “أعادت البرنامج النووي الإيراني إلى الوراء عامين”، ما يعكس تعمق الفجوة بين واشنطن وطهران في الوقت الراهن.
في ضوء التصريحات المتضاربة والقرارات المتسارعة، يبدو أن إيران تمسك العصا من المنتصف: فهي تُظهر التزامًا شكليًا بالمعاهدات، بينما تنفذ عمليًا خطوات تفكك تلك الالتزامات.
ويبقى السؤال مطروحًا: هل تُفضي هذه التحركات إلى تصعيد إقليمي جديد، أم أن ضغوط القوى الكبرى ستُجبر طهران على العودة لطاولة المفاوضات؟
ما بين الالتزام الرسمي والتصعيد العملي، يقف الملف النووي الإيراني عند مفترق طرق حاسم قد يحدد ملامح الأمن الإقليمي والدولي للسنوات القادمة.