في تسريب مدروس لمضمونه وتوقيته، كشفت صحيفة يديعوت أحرونوت الإسرائيلية عما وصفته بـ”تحالف غير معلن” بين الجيش الإسرائيلي ومجموعات مسلحة مناهضة لحركة حماس تنشط في شمال وجنوب قطاع غزة، بقيادة شخصيتين محسوبتين على حركة “فتح”: ياسر حنيدق ورامي حلس.
الصحيفة ادّعت أن هذه المجموعات تنسق بشكل مباشر مع الجيش الإسرائيلي، وتحصل منه على دعم عسكري ومساعدات إنسانية، في محاولة واضحة لإعادة إنتاج الانقسام الفلسطيني على الأرض، وتوظيفه كأداة أمنية تخدم استراتيجية “فرق تَسُد”، التي لطالما اعتمدتها إسرائيل منذ بداية احتلالها.
من الشجاعية إلى خان يونس… خارطة توتر مرسومة بعناية
بحسب التقرير الإسرائيلي، تنشط مجموعة رامي حلس في حي الشجاعية، أحد أبرز معاقل المقاومة شرقي مدينة غزة، فيما تتركز أنشطة مجموعة ياسر حنيدق في خان يونس جنوب القطاع، حيث تشهد المنطقة واحدة من أشد المواجهات بين الجيش الإسرائيلي وكتائب القسام، الجناح العسكري لحماس.
وبينما لم يصدر أي تعليق رسمي من السلطة الفلسطينية أو حركة “فتح” حتى الآن، تشير الرواية الإسرائيلية إلى أن القادة الميدانيين لهاتين المجموعتين يتقاضون رواتب من رام الله، في محاولة لربط فتح بمخطط ميداني يخدم الاحتلال، وهي تهمة من شأنها تفجير الخلاف الفلسطيني الداخلي مجدداً في لحظة يُفترض أن تكون عنواناً للوحدة في وجه العدوان المستمر.
الرواية الإسرائيلية… أدوات دعاية أم هندسة صراع؟
منذ بداية الحرب على غزة، تعمل إسرائيل على توظيف الحرب النفسية إلى جانب العمليات العسكرية، من خلال تسريبات مدروسة تهدف إلى زعزعة النسيج الداخلي الفلسطيني، وتفكيك الروح الجماعية للمقاومة. وتأتي هذه الرواية الأخيرة في سياق واضح يسعى إلى تصوير الصراع في غزة على أنه ليس بين جيش الاحتلال وحماس فحسب، بل بين فصائل فلسطينية أيضاً.
الهدف، كما يظهر، ليس مجرد نقل معلومة، بل توجيه الرأي العام الفلسطيني إلى الشكّ والتشكيك في جدار المقاومة، وفتح جبهات داخلية تؤدي إلى استنزاف حماس سياسياً وميدانياً، تحت غطاء إعلامي يُسوق أن “الانقسام لم ينتهِ، بل تغيرت أدواته”.
فتح في مرمى الاتهام… واستراتيجية الحرق المزدوج
اللافت في هذه الرواية أنها لا تضرب فقط حماس، بل تُقحم حركة فتح في معركة ليست طرفاً فيها ميدانياً، ما يضع السلطة الفلسطينية في موقع محرج أمام جمهورها، ويثير مخاوف من استغلال اسمها لتصفية حسابات بين إسرائيل وحماس.
الرواية تسعى بوضوح إلى جرّ “فتح” إلى دائرة العداء الشعبي في غزة، وتحميلها مسؤولية أي تصدع داخلي، عبر الإيحاء بتورط شخصيات محسوبة عليها في التنسيق مع الاحتلال. وبذلك تضرب إسرائيل عصفورين بحجر: إضعاف صورة المقاومة، وتشويه صورة السلطة.
ما وراء الرواية… تحضير لمرحلة ما بعد الحرب
التركيز الإسرائيلي المتصاعد على “الانقسامات الفلسطينية” ليس عابراً، بل يأتي كجزء من هندسة سياسية لما بعد الحرب، حيث ترغب إسرائيل في تقديم غزة كمنطقة لا يمكن توحيدها إلا عبر إدارة أمنية تقودها فصائل “معتدلة” مدعومة من أطراف إقليمية.
ومن خلال تسليط الضوء على مجموعات ميدانية مناوئة لحماس، تُلمّح إسرائيل إلى وجود بدائل محلية يمكن التعامل معها، في سياق إدارة ما تبقى من القطاع. وهذا يتقاطع مع تصريحات سابقة لقادة إسرائيليين تحدثوا عن “حكم غير حماسي” في غزة ما بعد الحرب، دون أن يوضحوا من يقصدون.
الوعي سلاح المرحلة
في مواجهة هذا النوع من الروايات، تصبح المعركة الحقيقية معركة وعي، حيث تسعى إسرائيل إلى تشتيت الداخل الفلسطيني، وإعادة إنتاج الانقسام بصيغ أمنية وميدانية. وما لم يكن هناك رد سياسي وإعلامي موحد يحصّن الجبهة الداخلية، فإن هذه التسريبات ستنجح في تحقيق ما عجزت عنه الدبابات: زعزعة الثقة داخل البيت الفلسطيني.