أعلن الرئيس الإيراني مسعود بزشكيان المصادقة على قرار مجلس الشورى القاضي بتعليق التعاون مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية، وذلك على خلفية الهجمات الأخيرة التي شنّتها إسرائيل والولايات المتحدة على منشآت نووية وعلمية داخل الأراضي الإيرانية.
القرار الذي صوّت عليه البرلمان الإيراني الأسبوع الماضي، لم يكن مفاجئاً، لكنه يعكس تحوّلاً واضحاً في لهجة طهران، التي تبدو مصممة على الرد على ما تعتبره انتهاكاً مزدوجاً لسيادتها: عسكرياً من جهة، ودبلوماسياً عبر الضغط الأممي المتواصل بشأن ملفها النووي.
نواب إيرانيون وصفوا القرار بأنه “رسالة سيادية لا تحتمل التأويل”، مؤكدين أن تعليق التعاون ليس موجهاً ضد المجتمع الدولي ككل، بل ضد “ازدواجية المعايير التي تتعامل بها الوكالة الذرية مع إيران، في ظل صمتها عن العدوان الإسرائيلي”.
الوكالة الذرية تراقب بصمت… وطهران تنتظر ما بعد الرد
من جانبها، اكتفت الوكالة الدولية للطاقة الذرية بالتعبير عن علمها بالتقارير الصادرة من إيران، وقالت إنها “بانتظار توضيحات رسمية”. موقف حذر يعكس القلق المتزايد داخل المؤسسة الأممية من فقدان قدرة الرقابة التي تمارسها منذ سنوات على المنشآت النووية الإيرانية، خصوصاً مع تعثر المفاوضات حول إحياء الاتفاق النووي لعام 2015.
ويثير قرار طهران أسئلة جوهرية حول مستقبل العلاقة بينها وبين الوكالة، في ظل المخاوف الغربية من أن يكون التعليق بداية لتصعيد نووي غير مسبوق، لا سيما بعد تعثر المفاوضات المتكررة وازدياد الضغوط السياسية على إيران في مجلس المحافظين.
12 يوماً من الصراع… والنتيجة: أزمة نووية مصغّرة
التصعيد الحالي جاء على خلفية تبادل قصف استمر 12 يوماً، بدأ بغارات إسرائيلية خاطفة استهدفت منشآت ذات طابع عسكري وعلمي، بعضها قريب من مواقع نووية في العمق الإيراني، وهو ما دفع طهران للرد بسلسلة من الضربات الصاروخية قالت إنها أصابت أهدافاً عسكرية إسرائيلية محددة.
ورغم أن الطرفين تجنّبا التورط في حرب شاملة، فإن ما حدث شكّل منعطفاً خطيراً، خاصة في ما يتعلق بخطوط “الردع النووي” التي لطالما كانت منطقة رمادية في الصراع بين إيران وإسرائيل. أما الآن، فيبدو أن هذه الخطوط بدأت تتآكل، مع دخول واشنطن على خط العمليات العسكرية، سواء بشكل مباشر أو عبر دعم استخباراتي ولوجستي معلن لإسرائيل.
إيران النووية… بين السيادة والمناورة
تعليق التعاون مع الوكالة لا يعني انسحاباً كاملاً من الاتفاقيات الدولية، لكنه يمنح طهران مساحة مناورة أوسع في ملفها النووي، قد تستخدمها لرفع سقف التخصيب أو إعادة تشغيل منشآت أُخضعت سابقاً للمراقبة، دون أن تتكبد مخالفة صريحة طالما أن التعاون معلّق وليس مرفوضاً بشكل دائم.
ومع رئيس جديد يحاول تثبيت معادلة القوة، يبدو أن بزشكيان يتجه لتوظيف الملف النووي كورقة تفاوض وليس كخيار مواجهة مفتوح، في ظل إدراكه لحساسية الوضع الإقليمي والدولي، لكنه في الوقت ذاته يرسل رسالة صلبة مفادها أن إيران لن تقف مكتوفة الأيدي أمام استهداف مقدراتها العلمية، حتى وإن كان الثمن هو التصادم مع النظام الدولي.
خاتمة: العودة إلى حافة الهاوية؟
ما بين تلويح بالتصعيد النووي وتراجع أدوات الردع الدولية، تقترب إيران والغرب مجدداً من حافة الأزمة، في مشهد يُعيد إلى الأذهان سنوات التوتر التي سبقت توقيع الاتفاق النووي.
لكن المختلف هذه المرة أن مساحات الحلول تضيق، ومراكز القرار أكثر تشتتاً، بينما يتحول الملف النووي من ورقة تفاوض… إلى أداة صراع مفتوحة على المجهول.