في سابقة غير معهودة ضمن المشهد الحقوقي والسياسي البريطاني، رفضت المحكمة العليا في لندن، الجمعة، الطعن المقدّم من منظمة “بالستاين أكشن” لتعليق قرار تصنيفها كمنظمة إرهابية، ما يعني أن الانضمام إلى الحركة أو إظهار الدعم لها سيُعدّ، اعتبارًا من يوم السبت، جريمة جنائية بموجب قانون مكافحة الإرهاب.
القرار الذي أثار جدلاً واسعاً في الأوساط الحقوقية والسياسية، يجعل من “بالستاين أكشن” أول حركة احتجاجية تُصنّف رسميًا ضمن قائمة المنظمات الإرهابية في بريطانيا، إلى جانب تنظيمات مثل “داعش” و”القاعدة”، و”العمل الوطني” اليميني المتطرف.
المحكمة ترفض تعليق القرار… والمتظاهرون يتحدّون
خلال جلسة استماع طارئة صباح الجمعة، تقدم محامو “بالستاين أكشن” بطلب استثنائي لتعليق الحظر إلى حين البت الكامل في طعن قانوني مقرر النظر فيه لاحقاً هذا الشهر. لكن القاضي رفض الالتماس، مؤكدًا أن القرار الحكومي يظل نافذًا على الفور، في ظل غياب ما يبرر تجميده مؤقتًا.
بالتوازي مع انعقاد الجلسة، احتشد نحو ألفي متظاهر أمام المحكمة العليا في وسط لندن، رافعين شعارات تضامن مع الحركة ومنددين بقرار تصنيفها. وأكد المتظاهرون، وغالبيتهم من نشطاء مؤيدين لفلسطين، أن الخطوة تمثل تهديدًا مباشرًا لحرية التعبير والعمل المدني في المملكة المتحدة، في وقت يستمر فيه العدوان الإسرائيلي على غزة.
تهم ثقيلة… وعقوبات تصل إلى 14 عاماً
بموجب القرار الحكومي الذي أقره البرلمان هذا الأسبوع، سيُعتبر كل من ينضم إلى الحركة أو يروّج لها أو يدعو لدعمها عرضةً للملاحقة الجنائية، مع إمكانية الحكم عليه بالسجن حتى 14 عامًا. وتشمل التهمة “الانخراط في نشاط تابع لمنظمة إرهابية”، وفقًا للقوانين السارية.
ويُنظر إلى هذا التصنيف على أنه تصعيد في تعاطي السلطات البريطانية مع المنظمات المؤيدة لفلسطين، خصوصًا بعد سلسلة من الحملات التي شنتها “بالستاين أكشن” خلال الشهور الماضية، أبرزها اقتحام قاعدة عسكرية بريطانية ورش طائرات مقاتلة بالطلاء الأحمر، احتجاجًا على “تورط بريطانيا في تسليح إسرائيل”، بحسب بيانات الحركة.
إدانة أممية وحقوقية… وتحذير من “خلط الاحتجاج بالإرهاب”
أثار القرار ردود فعل قوية من جهات دولية ومحلية، إذ دان خبراء تابعون للأمم المتحدة وعدد من منظمات الحريات المدنية، إلى جانب مئات المحامين والشخصيات الثقافية البريطانية، تصنيف الحركة كمنظمة إرهابية، معتبرين أن الخطوة ترسي “سابقة خطيرة” في ربط الاحتجاج المدني بالإرهاب.
وقالت منظمة “ليبرتي” الحقوقية إن “الحكومة البريطانية تخطت الخط الأحمر، وفتحت الباب أمام قمع أي معارضة سياسية تتحدى الرواية الرسمية”، فيما أكد حقوقيون أن القرار قد يُستخدم لتجريم أشكال التعبير السلمي عن التضامن مع القضية الفلسطينية، في وقت ترتفع فيه الأصوات ضد الحرب في غزة.
جلسة جديدة مرتقبة… والمعركة القانونية مستمرة
من المقرر أن تُعقد جلسة استماع جديدة في 21 يوليو/تموز، حيث ستتقدم “بالستاين أكشن” بطلب لمراجعة قضائية شاملة تطعن من خلالها في قانونية الحظر. وترى المؤسسة التي تأسست عام 2020 على يد الناشطة هدى عموري، أن القرار يتجاوز الإطار القانوني المعتمد، ويهدف إلى إسكات أصوات المعارضة لسياسات الحكومة البريطانية تجاه النزاع الفلسطيني الإسرائيلي.
وفي تصريح مقتضب لها، اعتبرت عموري أن “التصنيف غير قانوني ويجب إبطاله فورًا”، مشددة على أن الحركة ستواصل الدفاع عن حقها في “الاحتجاج السلمي المشروع على دعم الحكومة البريطانية للعدوان على غزة”.
بين الأمن والحقوق… جدل لا يزال مفتوحًا
ومع دخول القرار حيز التنفيذ، يتجدد النقاش في بريطانيا حول حدود العمل السياسي، وتوازن الدولة بين مكافحة الإرهاب وحماية الحريات الأساسية. وبينما ترى الحكومة أن القرار يستهدف “نشاطًا تخريبيًا وغير قانوني”، يرى مؤيدو الحركة أن ما يحدث هو محاولة ممنهجة لإخراس الحركات التي تفضح سياسات الغرب تجاه إسرائيل.
وفي غياب توافق سياسي أو قانوني حول تعريف “الإرهاب”، يبدو أن ملف “بالستاين أكشن” سيفتح مرحلة جديدة من المواجهة بين الدولة والنشطاء، ليس فقط في بريطانيا، بل على امتداد أوروبا، حيث تزداد رقابة السلطات على النشاطات المناصرة لفلسطين.