جدد الأمين العام لـ«حزب الله»، نعيم قاسم، تمسك حزبه بخيار “المقاومة المسلحة”، رافضاً أي دعوات لتسليم السلاح أو حتى الدخول في تسوية تضعف موقفه العسكري، مؤكداً أن «الاحتلال لا يُواجه إلا بالقوة»، على حد تعبيره.
وفي كلمة متلفزة ألقاها مساء الأحد، بمناسبة ذكرى «عاشوراء»، قال قاسم: «لا تطلبوا منّا ترك السلاح… نحن لن نكون شركاء في شرعنة الاحتلال الإسرائيلي لا في لبنان ولا في فلسطين ولا في أيّ بقعة من أرضنا».
رسائل نارية قبل الوسيط الأميركي.. تل أبيب تقصف
وسرعان ما ردّت إسرائيل على المواقف التصعيدية، بغارات جوية استهدفت مناطق في جنوب وشرق لبنان، قالت إنها «تضم مواقع ومنشآت عسكرية تابعة لحزب الله»، في رسالة واضحة قبيل زيارة الوسيط الأميركي توم برّاك إلى بيروت.
وبرّرت تل أبيب الضربات بأنها تأتي في إطار الردع و«منع تراكم التهديدات على الحدود الشمالية». لكن توقيت الغارات، الذي جاء بعد خطاب قاسم بساعات، أثار تساؤلات حول مدى تنسيق التصعيد مع التحركات الدبلوماسية الأميركية.
الوسيط الأميركي في الطريق.. ولبنان يبحث عن ورقة موحّدة
في المقابل، تتحرك الحكومة اللبنانية بوتيرة متسارعة لصياغة رد موحد على الورقة التي يحملها المبعوث الأميركي، والتي يُعتقد أنها تتضمن مقترحات بشأن ترسيم الحدود وتطبيق القرار 1701، إضافة إلى نزع سلاح الميليشيات.
وقال رئيس الحكومة نواف سلام، خلال اجتماع وزاري موسع، إن «استعادة الدولة تبدأ بتطبيق ما تبقى من اتفاق الطائف، لا سيما اللامركزية الموسعة، وحصر السلاح بيد المؤسسات الشرعية فقط».
“شروط حزب الله”: لا سلاح بلا انسحاب وإعمار
من جانبه، حاول قاسم تبرير تمسك حزبه بالسلاح من خلال ربطه بجملة من الشروط السياسية والأمنية، في مقدمتها الانسحاب الإسرائيلي الكامل من الأراضي المحتلة، ووقف الانتهاكات الجوية والبرية، وتسليم الأسرى اللبنانيين، وإعادة إعمار ما دمرته الحروب.
وقال قاسم: «لسنا هواة سلاح، ولكننا نمتلكه لأننا نواجه عدوّاً لا يفهم إلا لغة القوة».
بيروت بين مطرقة الخارج وسندان الداخل
تصريحات «حزب الله» تضع لبنان أمام مفترق طرق دقيق، فبينما يسعى الوسطاء الدوليون إلى خفض التوتر على الجبهة اللبنانية، ترفع مواقف قاسم وتيرة القلق من عودة الانفجار الأمني، خاصة مع تسارع الأحداث على حدود الجنوب.
فيما تُطرح تساؤلات جدية حول قدرة الدولة اللبنانية على فرض سلطتها، وسط انقسام داخلي حاد حول “شرعية سلاح حزب الله”، وتزايد الضغوط الدولية لدمج القوى المسلحة تحت مظلة الدولة.
وتتمسك قيادة «حزب الله» بخطاب المواجهة والمقاومة، في وقت يبدو فيه لبنان بأمسّ الحاجة إلى تسوية تحفظ استقراره السياسي والاقتصادي، خاصة في ظل مؤشرات خطيرة لتصعيد أمني عشية الوساطة الأميركية المنتظرة.
محللون: «حزب الله» يناور… والدولة بين العجز والضغوط
يرى محللون سياسيون أن خطاب نعيم قاسم يعكس تصعيداً محسوباً يهدف إلى تقوية موقع الحزب التفاوضي قبيل وصول المبعوث الأميركي إلى بيروت، لا سيما في ظل ضغوط إقليمية ودولية على إيران وحلفائها.
ويقول الباحث في الشأن اللبناني، سامي نصر، إن «حزب الله يدرك أن ورقة سلاحه ستُطرح بقوة في أي تسوية دولية أو داخلية، لذا يسعى إلى تثبيت معادلة مفادها أن السلاح ليس بنداً تفاوضياً إلا بشروطه»، مضيفاً أن «الربط بين السلاح وبين ملفات مثل الانسحاب الإسرائيلي وإعادة الإعمار يهدف إلى نقل النقاش من المبدأ إلى التفاصيل».
أما المحلل السياسي رائد عطايا، فيرى أن «الدولة اللبنانية لا تملك اليوم القدرة ولا الغطاء السياسي لفرض نزع السلاح بالقوة أو حتى فتح هذا الملف بجدية»، مشيراً إلى أن «حصر السلاح بيد الدولة سيبقى شعاراً ما لم يتم توافق داخلي شامل مدعوم بضمانات خارجية».
ويرجّح مراقبون أن تحمل زيارة توم برّاك إلى بيروت رسائل ضغط واضحة، ليس فقط على «حزب الله»، بل أيضاً على الدولة اللبنانية التي يُطلب منها اتخاذ موقف حاسم إزاء “السلاح خارج الشرعية”، في ظل تعقيدات سياسية واقتصادية تضعف قدرتها على الحسم.