كشفت بيانات رسمية فلسطينية عن تصاعد غير مسبوق في حجم الاعتداءات التي نفذتها القوات الإسرائيلية والمستوطنون على الفلسطينيين في الضفة الغربية المحتلة خلال النصف الأول من العام الجاري، حيث تم توثيق أكثر من 11,200 اعتداء، ما يعكس – بحسب المراقبين – تحول هذا التصعيد إلى سياسة رسمية متكاملة، خصوصًا منذ اندلاع الحرب الإسرائيلية على غزة في أكتوبر 2023.
أرقام صادمة ورسائل سياسية
ووفق ما أعلنه مؤيد شعبان، رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان، في مؤتمر صحفي عقده في رام الله، فإن الاعتداءات التي تم تسجيلها منذ بداية يناير حتى نهاية يونيو 2025 بلغت 11,280 اعتداءً، نفذتها جهات إسرائيلية متعددة، من بينها الجيش وأجهزة الأمن وميليشيات المستوطنين.
وقال شعبان:
“هذا الكم الهائل من الاعتداءات يعكس تحول العدوان إلى نهج استراتيجي شامل، يتزامن مع الهجوم العسكري المستمر على قطاع غزة، ويستهدف تقويض الوجود الفلسطيني على كل الجغرافيا الوطنية”.
أنماط الانتهاكات: من الإعدامات إلى تجريف الأراضي
وجاء في التقرير النصفي للهيئة، الذي حمل عنوان “اعتداءات الاحتلال وإجراءات التوسع الاستعماري في النصف الأول من عام 2025”، أن الاعتداءات توزعت بين:
-
استيلاء على الأراضي وتوسعة مستوطنات
-
إعدامات ميدانية
-
تجريف للأراضي الزراعية
-
اقتلاع أشجار
-
مصادرة ممتلكات خاصة
-
إغلاق طرق وحصار قرى
أما المحافظات الأكثر تضررًا فكانت رام الله في الصدارة بـ1975 اعتداء، تليها الخليل بـ1918، ثم نابلس بـ1784 حادثة.
عنف المستوطنين: استراتيجية معلنة أم فوضى مقصودة؟
ووثّق التقرير أن المستوطنين نفذوا 2153 اعتداءً خلال الفترة ذاتها، ما أسفر عن استشهاد أربعة مواطنين فلسطينيين، إلى جانب إصابات وأضرار جسيمة في الممتلكات والبنى التحتية.
ووفق شهادة الهيئة، تنوعت الاعتداءات بين:
-
اقتحام قرى وهجمات مباشرة على السكان
-
إشعال منازل وإطلاق نار عشوائي
-
الاعتداء على مركبات ومرافق عامة
-
إقامة بؤر استيطانية بشكل سري أو علني
وتكرر العنف بصورة ملحوظة في قرى مثل كفر مالك، والمغير، وبيتا، وسنجل، التي شهدت نمطًا من الهجمات المنظمة والمدروسة.
وبحسب التوزيع الجغرافي، تركزت اعتداءات المستوطنين في:
-
رام الله: 491 اعتداء
-
الخليل: 409 اعتداء
-
نابلس: 396 اعتداء
وهو ما يُقارن بـ2400 اعتداء سجلها الفلسطينيون طيلة عام 2024 بالكامل، ما يعكس تضاعف وتيرة العنف.
“بتسيلم”: الدولة تحمي المعتدين
من جانبها، اعتبرت منظمة “بتسيلم” الإسرائيلية لحقوق الإنسان أن هذا العنف “ليس تصرفات فردية أو عشوائية”، بل “جزء من سياسة حكومية ممنهجة تسعى لترسيخ واقع الفصل العنصري وتوسيع السيطرة على الأرض الفلسطينية”.
وقالت المنظمة في تقريرها الأخير:
“السلطات الإسرائيلية لا تكتفي بغض الطرف عن عنف المستوطنين، بل تُشارك في تسهيله وتنفيذه، في إطار مشروع استعماري يستهدف طرد السكان الأصليين وإحلال واقع استيطاني توسعي”.
خاتمة: تصعيد يتجاوز غزة ويهدد الضفة
في ظل استمرار العدوان العسكري على غزة، يبدو أن الضفة الغربية دخلت في مرحلة جديدة من التصعيد، حيث لا تقتصر المواجهة على العمليات العسكرية، بل تشمل أيضًا تغييرات ديموغرافية وميدانية على الأرض.
ويحذر الفلسطينيون من أن الهجمات المنهجية على السكان والممتلكات، بدعم سياسي وعسكري إسرائيلي، تمثل محاولة لفرض أمر واقع جديد يُجهض أي أفق لحل الدولتين، ويحوّل الضفة إلى “بانتوستانات” مفصولة ومحاصرة.
ومع غياب المحاسبة الدولية الفعلية، وتزايد الغطاء الرسمي الإسرائيلي لهذه الممارسات، يبقى السؤال الأبرز: إلى متى يبقى الشعب الفلسطيني وحيدًا في مواجهة هذا العنف المركب؟