قال الرئيس الأميركي دونالد ترامب إن حركة “حماس” أبدت استعدادها للتفاوض من أجل التوصل إلى وقف إطلاق النار في قطاع غزة، في وقت عبّر فيه رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو عن تفاؤله بإمكانية تحقيق “سلام أوسع” يشمل المنطقة بأسرها.
التصريحات جاءت خلال مأدبة عشاء رسمية أقيمت في البيت الأبيض مساء الأحد، جمعت الزعيمين في وقت حساس تشهده المفاوضات غير المباشرة الجارية في العاصمة القطرية الدوحة، بهدف إنهاء الحرب المستمرة منذ أكتوبر 2023.
ترامب: “الأمور تسير بشكل جيد”
وفي معرض حديثه عن تطورات الوساطة القائمة لوقف إطلاق النار، أكد الرئيس الأميركي أن “الأمور تسير على نحو جيد”، مضيفًا أن “لا شيء يمنع التوصل إلى اتفاق بين حماس وإسرائيل”، في إشارة إلى التقدم الملحوظ في مفاوضات الدوحة.
وعند سؤاله حول إمكانية إحياء “حل الدولتين” في الشرق الأوسط، أجاب ترامب بعبارة مقتضبة:
“لا أعرف… اسألوا بيبي”، في إحالة للرد إلى نتنياهو الجالس إلى جانبه.
نتنياهو: “الفلسطينيون يمكنهم حكم أنفسهم… لكن دون تهديدنا”
من جهته، أشار رئيس الوزراء الإسرائيلي إلى أن الفلسطينيين بإمكانهم إدارة شؤونهم بشرط “ألا يشكلوا تهديدًا لإسرائيل”، مؤكدًا أن السلام في المنطقة بات ممكنًا ويشمل “جميع الجيران”، على حد وصفه.
وتطرق نتنياهو إلى مباحثاته الأخيرة مع وزير الخارجية الأميركي ماركو روبيو، واصفًا اللقاء بأنه “مهم للغاية” فيما يخص دعم التحالف بين واشنطن وتل أبيب.
وفيما بدا رسالة موجهة للرأي العام الأميركي، قال نتنياهو:
“الشعب الإسرائيلي ممتن للرئيس ترامب ويُعجب بقيادته للعالم الحر”، مضيفًا أن “فريقينا يعمل بانسجام، والرئيس يرسم طريق السلام في الشرق الأوسط”.
ترقب في الدوحة: مفاوضات دقيقة وغياب الكبار مؤقتاً
على الأرض، وصل وفد إسرائيلي إلى الدوحة لاستئناف المفاوضات غير المباشرة مع حركة “حماس”، برعاية أميركية وقطرية ومصرية. لكن قناة “12” العبرية أشارت إلى أن الوفد الحالي لا يضم كبار الشخصيات الأمنية، مثل رئيس جهاز الموساد ديفيد برنياع أو اللواء نيتسان ألون، ما يُفسر على أنه مؤشر بأن المفاوضات لا تزال في مراحلها الأولية.
وأضافت القناة أن انضمام هؤلاء القادة سيكون مرهونًا بـ”اقتراب الجلسات من حسم النقاط الجوهرية”، إلا أن “تفاؤلًا حذرًا” يسود أروقة التفاوض.
وفي السياق ذاته، قالت القناة “14” الخاصة إن محادثات ترامب ونتنياهو في واشنطن تركزت على “دفع اختراق نوعي في ملف صفقة الأسرى”، ما يعكس البعد الإنساني والسياسي الحاضر بقوة في كواليس الحوار.
الملف الإنساني: معاناة مزدوجة بين غزة والسجون الإسرائيلية
تُقدر تل أبيب عدد الأسرى الإسرائيليين المحتجزين في غزة بـ50، بينهم 20 على قيد الحياة، في حين تشير الأرقام الفلسطينية إلى وجود أكثر من 10,400 معتقل فلسطيني في السجون الإسرائيلية، بينهم أطفال ونساء ومسنون، وسط تقارير عن تعذيب وإهمال طبي وتجويع، أودى بحياة العشرات.
ووفق مؤسسات حقوقية، فإن ظروف الاعتقال في الآونة الأخيرة شهدت تدهورًا كبيرًا، تزامنًا مع تصاعد العمليات العسكرية وازدياد أعداد المعتقلين منذ بدء الحرب على غزة.
حرب غزة: أرقام كارثية ومطالب متصاعدة بوقف العدوان
منذ اندلاع الحرب في غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، تواصل إسرائيل شن هجماتها العسكرية على القطاع، مدعومة سياسيًا ولوجستيًا من واشنطن، في تحدٍ صارخ للنداءات الدولية وأوامر محكمة العدل الدولية بوقف الأعمال القتالية.
وبحسب التقديرات الفلسطينية، أسفرت العمليات العسكرية عن أكثر من 194 ألف قتيل وجريح، معظمهم من النساء والأطفال، إلى جانب ما يزيد عن 10 آلاف مفقود ومئات آلاف النازحين، وسط دمار شامل للبنية التحتية المدنية.
وتتهم منظمات حقوقية ودولية إسرائيل بارتكاب جرائم إبادة وجرائم ضد الإنسانية، بينما يلاحق القضاء الدولي مسؤولين إسرائيليين بارزين، في مقدمتهم نتنياهو، الذي صدر بحقه طلب توقيف من المحكمة الجنائية الدولية.
آفاق السلام محاطة بالغموض
بينما تبدو تصريحات ترامب ونتنياهو محاولةً لتقديم انفراجة سياسية في وقت شديد التعقيد، يرى مراقبون أن الواقع الميداني والإنساني في غزة والضفة لا يزال أبعد ما يكون عن التهدئة المستدامة.
ويظل الرهان معقودًا على نتائج مفاوضات الدوحة التي تحظى بزخم دبلوماسي متصاعد، وتُعد محكًا حقيقيًا لجدية الأطراف في إنهاء مأساة إنسانية غير مسبوقة، ترخي بظلالها على مستقبل المنطقة بأكملها.